مصر: قصة منظمتين

TT

معركة مصر منذ حادثة المنشية، التي حاول فيها «الإخوان المسلمون» اغتيال جمال عبد الناصر في الإسكندرية عام 1954، هي معركة بين التنظيم السري لـ«الإخوان المسلمين»، ومنظمة الشباب التي أسسها عبد الناصر لمواجهة «الإخوان». هاتان المنظمتان هما اللتان احتكرتا العمل السياسي في مصر منذ الستينات حتى اليوم، فمعظم قيادات مصر سواء في حكومة شرف من أمثال وزير المالية سمير رضوان، أو مرشح الجامعة العربية مصطفى الفقي، وحتى مرشح الرئاسة عمرو موسي، وكذلك كل طاقم حكم مبارك من علي الدين هلال إلى حسين كامل بهاء الدين إلى أسامة الباز، كل هؤلاء هم خريجو منظمة الشباب التي جعلت عبد الناصر يحكم مصر حتى من القبر. في المقابل هناك مرشد «الإخوان» الحالي والسابق، وكلاهما من أبناء التنظيم السري لـ«الإخوان». والجيش المصري في الغالب محاصر بين هاتين المنظمتين.

منظمة الشباب أنشأها عبد الناصر حتى تكون له ذراع طليعية شعبية، تتحرك في الجامعات وتحميه من التمرد الشعبي على الثورة ومن أي غدر قد يأتي من ناحية قيادة الجيش. ونجحت منظمة الشباب في أن تكون حزام عبد الناصر الشعبي الذي أخرج له المظاهرات يوم التنحي. في المقابل، جماعة الإخوان المسلمين أنشأت تنظيمها السري كذراع عسكرية لها، وعرفه الناس يوم حادثة المنشية عندما أطلق محمود عبد اللطيف عضو التنظيم السري النار على جمال عبد الناصر. وربما ظهرت منظمة الشباب من وحي التنظيم السري، من مبدأ إذا كان لـ«الإخوان» جناح تنظيمي سري فلماذا لا يكون لعبد الناصر جناحه أيضا؟

واستمرت المواجهات بين التنظيم السري لـ«الإخوان» ونظام يوليو، سواء أكان الرئيس عبد الناصر أو السادات أو مبارك، وآخر إعادة إحياء للتنظيم السري كانت في عام 1993 حسب أوراق نظام مبارك في قضية سلسبيل الشهيرة، التي ادعى فيها النظام أن التنظيم السري يعيد بناء نفسه لمواجهة الدولة. أما القضية الأخرى فكانت القضية المعروفة برقم 202 لعام 2010 أمن دولة عليا، والتي خضع فيها للتحقيق خمسة عشر عضوا من تنظيم «الإخوان»، كان من بينهم الدكتور محمود عزت نائب المرشد والدكتور عصام العريان.

ما أريد أن أقوله هو أنه رغم الثورة، فإن مصر ما زالت رهينة المحبسين، محبس التنظيم السري لـ«الإخوان»، ومحبس الطليعة أو منظمة الشباب التي خرّجت تقريبا كل وزراء مصر منذ عبد الناصر، ثم السادات، وحتى مبارك، ونجد كثيرا منهم اليوم في وزارة عصام شرف.

إن لم تخرج مصر من تلك المواجهة بين منظمة الشباب الناصرية التي لم يعد أي من أعضائها شبابا، وأعضاء التنظيم السري لـ«الإخوان» الذين هم في مرحلة المشيب أيضا، فإن مصر ستعاني كثيرا.. فليس البديل عن «الإخوان» هو جماعة ناصر والطليعة، وليس البديل عن «الإخوان» هو منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكي.

وبناء على ذلك، فإنني أدعو الباحثين لدراسة قائمة أعضاء منظمة الشباب التي كانت الجناح الرئيسي للاتحاد الاشتراكي في مصر، ليكتشفوا أن كل أعضاء الحكومة في العهود الثلاثة السابقة كانوا من هذه المنظمة، كما أن معظم أعضاء مجلسي الشعب والشورى كانوا من هذه المنظمة أيضا. فهل كان عبد الناصر يحكم من القبر؟ وفي ذلك أيضا نطرح السؤال: ما معنى الثورة إذا كان عبد الناصر ما زال يريد أن يحكم من القبر، أو كان منافسوه في التنظيم السري لـ«الإخوان» يريدون الاستيلاء على ما يرون أنه حقهم الذي سلبتهم ثورة يوليو إياه؟

إذا كانت نتائج الثورة هي إعادة إنتاج الصراع بين التنظيم السري لـ«الإخوان» ومنظمة الشباب، فبئس الثورات هي. شعار ثورة الشباب يوم 25 يناير كان «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية»، والمنظمتان محل النقاش هنا لا تعرفان الحرية ولا تؤمنان بها. فكيف لثورة قامت من أجل الحرية أن تنتج نقيضها؟.. وكيف للمجلس العسكري أن يرعى عملية إعادة إنتاج هذا الصراع القديم؟

ثورة «25 يناير» يجب ألا تتحول إلى مجرد عملية إحلال وتجديد لذلك الصراع البائس في بر مصر. لا بد من ظهور قيادات جديدة وشرائح جديدة تعكس روح الثورة، لكن القوانين التي أنتجها المجلس العسكري حتى هذه اللحظة لا تتحسب لهذا الأمر.. وربما عن غير قصد ونتيجة لعدم معرفة المجلس بالقوى البديلة، سلم القيادة للتنظيم السري، ولأنه حاول أن يوازن بين المصالح أتى لنا بأعضاء منظمة الشباب كأعضاء في حكومة شرف. مصر تدور في حلقة مفرغة.. في صراع بين منظمتين، كلتاهما ذات فكر فاشي.. فهل يتنبه المصريون لهذه الحقيقة؟