مأزق إسرائيلي!

TT

نبضات قلب الساسة في إسرائيل (هذا إذا كان لديهم قلب أصلا!) تبدو مسموعة من مسافة بعيدة هذه الأيام، والعرق ينساب بشكل أكبر، كل ذلك من آثار الاضطراب والقلق والإحراج التي أصابت إسرائيل من جراء خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير، الذي اعتبرته إسرائيل صادما ومهددا لأمنها القومي، وهو الموقف نفسه الذي اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أن يقوم بالرد عليه فورا، وفي لقائه بالبيت الأبيض مع الرئيس الأميركي، برفضه لفكرة العودة لحدود 1967 كأساس لحل الدولتين، وزاد الإحراج الذي شعرت به إسرائيل أن الدول الأوروبية باركت وأيدت الاتجاه الأميركي المعلن، مما دعا نتنياهو للاتجاه فورا إلى وسيلتي الضغط اللتين يعتمد عليهما الساسة في إسرائيل للتأثير على الرأي العام الأميركي، وهما قوى الضغط السياسي، مثل اللوبي اليهودي وجماعة الضغط المحسوبة عليه، مثل «أيباك» وقوى الضغط الصهيونية المسيحية، التي تمثل كتلة تصويت شديدة التأثير والثراء، قوامها ثمانون مليون شخص، إضافة لبعض القنوات والمطبوعات الإعلامية المحسوبة على اليمين المتطرف والمؤيد بعنف لإسرائيل، وبدأ يروج أمامها أن الخط الأميركي الجديد هو «تهديد لأمن إسرائيل»، وأن السلام لا يمكن أن يكون ثمنه أمن إسرائيل، وغيرها من الديباجات التي أصبحت جزءا أساسيا وتلقائيا من الخطاب الإعلامي السياسي للحكومات الإسرائيلية في أميركا.

ولعل المثير للاهتمام أن أول حصاد هذا التوتر الإسرائيلي كان ردة فعل بعض قوى الضغط اليهودية المحسوبة تقليديا على الحزب الديمقراطي، الذين سبق لهم أن أسهموا في الحملة الانتخابية لباراك أوباما، بأنهم بصدد مراجعة موقفهم بخصوص التبرع له مجددا في حملة الرئاسة المقبلة، التي أعلن عن ترشحه للرئاسة مجددا من خلالها، ولكن هذه القوى تعرف أن شعبية أوباما الآن في وضع جيد، وأن لديه تأييدا عاما لهذا التوجه الجديد، حتى داخل الجالية اليهودية نفسها في أميركا، هناك تأييد لديه بخصوص توجهه الجديد الخاص بحدود 1967، والإعلان عن الدولتين، يفوق الخمسين في المائة من الجالية اليهودية، وكذلك لم يعد مقنعا ولا مستساغا ولا مقبولا أن تظل إسرائيل وتستمر في الترويج لنفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وسط أهم حراك ثوري وشعبي وديمقراطي يعرفه العالم اليوم، ويحصل في أكثر من بلد عربي بإعجاب واهتمام لا يمكن إغفاله، مع عدم إنكار أن أسلوب نتنياهو المتعجرف والمتعالي أثار سخط الكثيرين من النقاد والمعلقين الأميركيين، واستنكروا طريقته وقالوا إنه «لا يمكن أن يحدّث الرئيس الأميركي بهذا الأسلوب». وكذلك كانت هناك تعليقات أخرى تستغرب اندهاش واعتراض نتنياهو على مبدأ حدود 1967، لأن كل الإدارات الأميركية منذ عهد الرئيس جيمي كارتر كانت تتحدث عن قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار 242، وهو المبني أساسا على حدود 1967، وبالتالي لا يوجد سبب حقيقي للاعتراض سوى المماطلة والمراوغة السياسية.

أيضا إسرائيل وقوى الضغط المؤدية لها تعلم تماما أن حلبة الرئاسة الأميركية في السباق الرئاسي المقبل لا تبشر بالخير؛ فالجمهوريون غير قادرين على تقديم مرشح مهم يثير الإلهام في نفوس الناخبين ويقدم نفسه كبديل حقيقي لأوباما، إذ أن الأسماء التي تم الإعلان عنها حتى الآن ضعيفة جدا وتقليدية للغاية.

إسرائيل في مأزق حقيقي، ويبدو أن نتنياهو سيتعرض لمواقف لم يعهدها من قبل، وسوف يكون جديرا بالمتابعة. أي الكفتين ترجح؛ كفة دافع الضرائب المنهك بالديون والعبء الاقتصادي والمضطر لدعم حكومة في إسرائيل تهين بلاده؟ أم ستكون هناك حركة سحرية جديدة في جيوب نتنياهو وفريقه؟

[email protected]