العالم العربي.. والربيع الأميركي المقبل!

TT

أتاحت الثورات العربية، أو ما يسمى «ربيع العرب»، فرصة جديدة للولايات المتحدة الأميركية، لتطل منها من جديد، وبقوة، على المشهد العربي. وسوف تستغلها الإدارة الأميركية الاستغلال الأمثل، إن هي نجحت في تبني التغيير الحالي، ومن ثم قيادته؛ لتتمكن بدهاء من التأثير فيه، والتأثير عليه، بما يخدم سياساتها الخارجية، ونظرتها تجاه العالم العربي تحديدا.

وقد بين الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في خطابه الأخير الذي ألقاه في 19 من مايو (أيار) الحالي، أن بلاده تحمل الرغبة في تكييف أسلوب علاقاتها مع الدول العربية، وفقا لتطلعات «الشعوب»، وليس الأنظمة الحاكمة! وهذا التكييف السياسي ذكي جدا، في محاولة منة لركوب موجة التغيير تلك وكسب قلوب وعقول الشعب العربي. وتفسيره ما كشف عنه أوباما في نفس الخطاب بقوله: «إن مستقبلنا مرتبط بهذه المنطقة، بفعل قوى الاقتصاد والأمن، والتاريخ والإيمان».

لقد أوصل الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، سياسات بلاده الخارجية، إلى قوة منفرة، غير جاذبة، ليس فقط على المستوى العربي أو الإسلامي، بل على مستوى العالم أجمع؛ فقد أشارت استطلاعات الرأي في معظم أنحاء العالم، إلى هذه الصورة الأميركية المظلمة، والسيئة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. (انظر: «أميركا ضد العالم.. كيف نحن مختلفون، ولماذا العالم لا يقبلنا»، تأليف أندرو كوهت وبروس ستوكس، 2006م، بالإنجليزية).

في حين أن أوباما يتكئ في سياساته الخارجية على نظرية عالم السياسة الأميركي، بروفسور جوزيف ناي. وهي واحدة من النظريات الدائرة في محور القوة الذكية، ومضمونها هو الجمع بين القوة الناعمة والقوة الصلبة. (انظر: مقال الكاتب في صحيفة «الشرق الأوسط»: «أميركا والقوة الذكية» بتاريخ 2 أغسطس (آب) 2008).

لذلك، فإن أوباما يحاول وإدارته الحالية، إعادة دور الولايات المتحدة الأميركية، كقوة مقبولة، تسهم في عمليات التغيير الجارية في العالم العربي، واستغلالها الاستغلال الأمثل لتحقيق سياساتها في المنطقة. وبعد ثورتي تونس ومصر السلميتين، اللتين وصفهما أوباما في خطابه الأخير، بأنهما «المثال» الذي يجب أن يحتذى في مسيرة التغيير والإصلاح في العالم العربي، وبعد النجاح في القضاء على زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، أرادت الإدارة الأميركية، في هذه المرحلة، أن ترسل رسالة واضحة للعالم العربي، مفادها أن العنف الذي تبنته «القاعدة» كوسيلة للتغيير، والقمع الذي تبنته بعض الأنظمة العربية في مواجهة مطالب الإصلاح والتغيير، كما هو حاصل في سوريا وليبيا، كانا يشبهان سياسة الإدارة الأميركية السابقة، في عهد بوش الابن (وإن لم يصرح بذلك)، تلك السياسة التي كانت تعتمد القوة المفرطة في سياساتها الخارجية.

يحاول أن يقول: إن الربيع العربي ليس عربيا فقط، بل هناك ربيع أميركي مقبل متمثل في السياسة الأميركية، خاصة تجاه الربيع العربي. ربيع يجعل من القوة الذكية استراتيجية جديدة للسياسة الأميركية في المنطقة، من خلال دعم مؤسسات المجتمع المدني، والتأكيد على أهمية ثورة المعلومات، والتشجيع على استخدامها في عمليات التواصل، لتحقيق التغيير والإصلاح في العالم العربي.

في خطاب أوباما الأخير تأكيد لقدرة الولايات المتحدة على إعادة استكشاف نقاط القوة والإبداع في تفعيل القوة الذكية واستخدامها. وهو ما أنتج رؤية الربيع الأميركي الجديد في المنطقة العربية، المتواكب مع الربيع العربي من وجهة النظر الأميركية. وعلى الرغم من تلك الاستراتيجية والتفاؤل المفرط من قبل الإدارة الأميركية تجاهها، تبقى الإرادة السياسية للإدارة الأميركية الحالية للتعامل مع الصراع العربي - الإسرائيلي بمنظار العدل وحفظ حقوق الشعب الفلسطيني هي المحك الحقيقي لكسب قلوب وعقول الشعوب العربية، من خلال الالتزام بمبادئ العدل والحرية والمساواة التي نادى بها الرئيس أوباما في خطابه، مبشرا بذلك الربيع الأميركي المقبل!