الجنس والسياسة: نموذج اليمين القومي التركي

TT

الأشرطة قد تتغير لكن الموال هو ذاته.. العلاقة بين الجنس والسياسة والتركيز مرة أخرى على لاأخلاقيات بعض رجال السياسة وخروجهم عن الطريق والسقوط في مصيدة الغرائز والنزوات رغم الدور والموقع والمهام الكبيرة التي يتولونها. لكن ما نناقشه في النموذج التركي يختلف عن بقية النماذج التقليدية هذه المرة. وضخامة العملية ورقعة امتدادها تعكس حجم المؤامرة وتشعبها.

ما نناقشه هنا هو أبعد وأهم من العلاقة الكلاسيكية المعروفة بين الجنس والسياسة والوقوع في مصيدة الميول الشخصية المتعارضة مع الأخلاق والمرفوضة في بيئاتنا ومجتمعاتنا.

الحالة التركية لا علاقة لها بنماذج؛ بيل كلينتون وبطولاته، ولا بالرئيس الإسرائيلي وغزواته، ولا أيضا برئيس البنك الدولي ومغامراته، فكلها حالات منفردة دفع خلالها أبطالها ثمن فعلتهم بشكل أو بآخر.

في الحالة التركية الماثلة أمامنا التي ما زالت تتفاعل وتتدحرج ككرة الثلج عمل احترافي منظم تقوده عناصر مدربة، ارتباطاتها مشبوهة، رصدت لأسابيع طويلة تنقلات وتحركات عشرات الأشخاص دون أن تثير الشبهات، جمعت الكثير من المعلومات والتفاصيل حول حياتهم الشخصية وقررت استخدامها سياسيا كورقة ضغط أطاحت بهم، لكن ارتداداتها وانعكاساتها الحقيقية لم يتم التعرف عليها بعد.

جماعات مجهولة تخترق الغرف السرية التي تجمع كبار قيادات حزب الحركة القومية وعشيقاتهم وتترك أجهزة تنصت وتصوير، تصل إلى ما تريد، تحتفظ به لاستخدامه عند الضرورة. ورغم مرور أشهر طويلة على ما جمعته فهي تقرر، دون تردد، أن ساعة الصفر دقت لتقوم بتوزيع بعض ما تملكه من وثائق عبر صفحات الإنترنت العالمية باسم الدفاع عن مبادئ وشعارات الحركة القومية التركية وتاريخها ولإيقاف المتآمرين عند حدودهم وإعادة تنظيم الحزب عبر تصفية القيادات «الفاسدة التي لا علاقة لها بالفكر القومي».. بمؤامرة لا تقل تخطيطا وتنظيما وإعدادا عن أكبر عمليات قلب الأنظمة والإطاحة بها في دول العالم الثالث التي كنا نتابعها في الأفلام فقط.

إجماع كبير في أوساط رجال الإعلام والسياسيين، بمختلف ميولهم، على أنه بقدر الحديث عن لاأخلاقية هذه القيادات التي أساءت إلى الحزب وسمعته والتي تستحق التصفية والتشهير بها، لا بد من التوقف عند لاأخلاقية الذين يحركون ويديرون هذه المؤامرة ويحاولون طرحها في هذه الآونة، حيث تقترب البلاد من تاريخ 12 يونيو (حزيران)؛ موعد الانتخابات العامة.

سيناريوهات كلها تتقاطع عند احتمال يتقدم على بقية التحليلات والتخمينات: إضعاف حزب الحركة القومية وإبعاده عن المجلس النيابي الجديد الذي ستكون مهمته الأساسية إعداد دستور آخر للبلاد يبعد تركيا عن الأسس والشعارات التي تبنتها منذ إعلان الجمهورية الأتاتوركية العلمانية، ويكون دستورا ليبراليا انفتاحيا يتعامل مع موضوع النظام الرئاسي على الطريقة الأميركية بليونة وتفهم أكبر ويكون بالتالي أكثر جهوزية لمناقشة المسألة الكردية بتطلعات دستورية وسياسية أكثر عملية ومرونة.

الواقفون وراء هذا العمل يقولون إن قيادات الحركة ضلت الطريق، وعليها أن تدفع الثمن، لكن آخرين يرون أنها محاولة اغتيال منظم لحزب الحركة القومية في تركيا، العقبة الأكبر أمام مسار سياسي جديد في البلاد لا بد منه محليا وإقليميا، تماما كما هي الحالة الثورية اليوم في الكثير من الدول العربية.

عشرة من كبار القياديين في الحزب قدموا استقالاتهم من مناصبهم وقرروا سحب طلبات مشاركتهم في الانتخابات العامة المقبلة، وهي بقدر ما تشكل رسالة مباشرة إلى دولت بهشلي الذي يصارع لحماية مقاعد حزبه في البرلمان التركي، فإنها تحمل معها الكثير من علامات الاستفهام حول الجهات الفاعلة وغايتها الأساسية.

لا أحد يناقش حتى الآن احتمالات هوية الجهة الفاعلة، لكن الكثيرين يكتبون توقعاتهم حول ما تريده هذه الجماعات وما الذي تسعى إليه من خلال الدخول على الخط أكثر من مرة، مفجرة أزمة جنسية / أخلاقية أبطالها رموز من الصف الأول في العمل السياسي التركي، مستفيدة من التكنولوجيا إلى أبعد الحدود، لكنها تستفيد أيضا من تحركها داخل تركيا وخارجها من خلال شبكة علاقات ونفوذ معقدة تتجاوز الطاقات والقدرات المحلية.

الرسائل المتبادلة في هذه الآونة بين القيادات والأحزاب التركية محورها الجنس والسياسة وأخلاقيات العمل السياسي، ورغم أن المدعي العام التركي تحرك باتجاه الكشف عن الفاعلين، فالبعض يريد المضي في هذه اللعبة حتى يوم الانتخابات؛ محاولا وضع صناديق الاقتراع تحت رحمة صور ومشاهد الإنترنت الإباحية.