هل تفقد تركيا توازنها في الشرق الأوسط الجديد؟

TT

طرح الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه إلى الشرق الأوسط سياسة دعم لنمو الديمقراطية والسلام في المنطقة. وقد طالب جميع اللاعبين في المنطقة بدعم حرية الإرادة وحق تقرير المصير، وتكافؤ الفرص، والديمقراطية، وإرساء الحقوق السياسية والمدنية وقيم التسامح الديني. وقال إن الديمقراطية تتطلب صحافة حرة، ومنح حق التجمع السلمي. وطالب بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967. إن لدى الرئيس رؤية واضحة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وليس واضحا ما إذا كان بإمكان الحكومة التركية الإدلاء بالتصريحات نفسها أم لا.

ففي ظل حزب العدالة والتنمية التركي، تواجه تركيا فترة عصيبة في محاولة تعديل سياستها الخارجية، المشهورة بشعار «تصفير المشكلات مع دول الجوار»، بحيث تواكب الحقائق الجديدة التي بدأت تطرأ على الشرق الأوسط. ويقول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إن تركيا ترغب في الارتباط بعلاقات جيدة مع شعوب وأنظمة المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن شعوب الشرق الأوسط تعارض حكامها الدكتاتوريين المستبدين حاليا. وغدا، سيتذكرون الدول التي دعمت وحشية الأنظمة التي يخضعون لحكمها. لهذا، يتعين على تركيا أن تدرك أن القوة الناعمة التي تتباهى بها والممثلة في دورها الدبلوماسي الفعال كقائد إقليمي، لا تتعلق بالتجارة والدبلوماسية فحسب؛ وإنما تفرض عليها أيضا الدعم الفعلي للديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

وقد صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة مع وعد بتعزيز الميل الغربي لتركيا من خلال الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وتحت قيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وتوجيه داود أوغلو خلال الأعوام الثمانية الماضية، انقلبت السياسة الخارجية التركية رأسا على عقب بتوجيه الأولوية لجيرانها من دول الشرق الأوسط بدلا من حلفائها التقليديين في الغرب. وبدءا برفضها مطلب الولايات المتحدة بدخول العراق عبر أراضيها في 2003، أذهلت تركيا كثيرين بتأثيرها المستقل الذي تم اكتشافه حديثا. وقد اعتمدت على شهرتها بالاتجاه المعادي للغرب بخطابها القاسي وموقفها العدائي تجاه إسرائيل. وقد عجلت هذا شهر العسل بين تركيا والعالم العربي، بتمتع أردوغان بأكبر شعبية يحظى بها قائد في المنطقة. ويأتي دعم تركيا لأسطول صغير ثان متجه إلى غزة، ونزعتها العدائية تجاه إسرائيل في الوقت الراهن، متناقضا بشكل واضح مع صمتها عن محاولات نظامي الحكم في إيران وسوريا تجاهل مطالب مواطنيهما بإرساء الديمقراطية.

وبإساءتها تقدير الوضع في ليبيا برفضها في البداية فرض عقوبات عليها، بل وحتى معارضة تدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفقدها قدرا كبيرا من مصداقيتها قبل تغيير مسارها، وجدت تركيا نفسها في موقف غير مريح ممثل في ظهورها بمظهر القوة الإقليمية المتأرجحة. والآن، مع استمرار الاحتجاجات والقمع الوحشي من قبل الأسد، أقوى حلفاء تركيا، تبدو أنقرة مجددا متمسكة بشعار «تصفير المشكلات»، حتى مع سقوط قتلى سوريين كل يوم.

وتؤكد تركيا على تميزها كديمقراطية إسلامية أصلية. وهذه الديمقراطية لم يعززها جيرانها في الشرق الأوسط، ولكن ظهورها كان في إطار مجتمع دول الغرب. فباعتبارها من الأعضاء المؤسسين لمجموعة العشرين وعضوا في حلف الناتو وطامحة للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، حولت أنقرة نفسها إلى لاعب دولي فاعل، قادر على إضافة سلطة وتأثير مهمين للمنطقة، وذلك تحديدا لتوجهها الغربي، وليس من دونه.

إن على تركيا استخدام رأس المال الاقتصادي والأخلاقي والسياسي الضخم الذي قد استثمرته في الاقتراب مجددا من الشرق الأوسط لتكفل لمواطني دول الجوار ما يتمتع به المواطنون الأتراك منذ عقود؛ الديمقراطية المدوية، التي ينظر إليها، على الرغم من نقاط ضعفها وعيوبها، على أنها مثال للإصلاح في المنطقة. بإمكان أنقرة صنع اختلاف بمطالبة كل من دمشق وطهران - بشكل معلن وبلهجة حازمة - بإصدار أوامر لقواتهما الأمنية بوقف إجراءات القمع العنيفة وإجراء إصلاحات هادفة من خلال حافز اقتصادي ملموس.

إن أنقرة ستعود عليها فائدة كبيرة من التحول الديمقراطي الذي يشهده الشرق الأوسط، والذي سيزداد اتجاهه لتركيا لطلب توجيهها وإرشادها.

إن السياسات المحيرة لحزب العدالة والتنمية التركي لا تعرض تركيا فقط لخطر فقدان مصداقيتها في المنطقة كنصير للديمقراطية، وإنما لفقدان صوتها أيضا داخل مجتمع الحلفاء الغربيين. تحتاج أنقرة إلى استعادة توازن دورها بين دول الجوار وحلفاء الغرب، ويجب أن لا يأتي وضعها الذي تم اكتشافه حديثا كقوة شرق أوسطية على حساب فقدها صلاحياتها الغربية التي كسبتها بشق الأنفس.

* لينور مارتن هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة «إيمانويل» وزميل مركز «ويذر هيد للعلاقات الدولية» و«مركز دراسات الشرق الأوسط» بجامعة هارفارد. جوشوا ووكر هو «زميل ما بعد الدكتوراه» في «مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط» بجامعة برانديز و«زميل البحث» في «مركز بيلفر» بكلية «هارفارد كينيدي».

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية