من أنقرة إلى دمشق الفرص تهدر والوقت يضيق

TT

لا حاجة للف والدوران؛ المعطيات كلها تشير إلى أن العلاقة بين حكومة العدالة والتنمية والقيادة السورية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل شهرين؛ تاريخ اندلاع الأحداث في المدن السورية، بمثل هذه السهولة، هذا إن لم نشأ الحديث عن تراجع دائم وتوتر ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار. عودة المياه إلى مجاريها تحتاج إلى أكثر من لقاء لا نرى الرغبة في انعقاده بين القيادات في البلدين، بعدما كان رئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاقان فيدان، آخر من التقى الأسد في العاصمة السورية لمناقشة الاقتراحات التركية التي فسرها الإعلام الرسمي السوري على أنها نصائح ودروس لا تحتاجها سوريا. العلاقات المشحونة لن ينقذها كذلك الاتصال الهاتفي الأخير بين رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس، بشار الأسد، فالأصوات المنبعثة من دمشق، أو من يحاول أن ينوب عنها، تتحدث عن محاولات الطعن من الوراء، وتراجع الصعود التركي الإقليمي، بعدما أغلقت في وجهه البوابة السورية.

التوضيح الذي أراده وزير الخارجية، داود أوغلو، وبعد ساعات قليلة على الاتصال الهاتفي حول الموقف التركي الرسمي الذي لم يتغير حيال ما يجري في سوريا: «كنا نتوقع انطلاق عجلة الإصلاح قبل أشهر طويلة. نحن الآن يصعب علينا التأكد إذا ما كان الشعب السوري سيظل يراهن على قدرة الرئيس الأسد على الإمساك بزمام الأمور، الوقت بدأ يضيق، ونحن ننتظر أجندة الإصلاحات بأسرع ما يمكن، ودون أخطاء»، رافقه الرد السريع من دمشق بحملة عسكرية جديدة ضد بعض المدن السورية، تتقدمها الدبابات، لوقف المتآمرين على أمن واستقرار سوريا من الداخل والخارج عند حدهم.

شعرة معاوية، أو الخيط الرفيع الذي يسعى الجانبان؛ التركي والسوري، لحمايته في علاقاتهما، المتوقع أن يتعرض للاهتزاز مرة أخرى، عندما تصل أنباء مقتل الطفل السوري، حمزة علي الخطيب، إلى مسامع رجب طيب أردوغان، خصوصا إذا ما ثبت تعذيبه بهذه الوحشية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام، وإلا فإن أردوغان سيُتهم بازدواجية المعايير، بعدما وقف يندد باستهداف الإسرائيليين لأطفال جنوب لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة برصاصهم وقنابلهم.

قبل أسابيع، استضافت تركيا قيادات الإخوان المسلمين السوريين ليعلنوا رأيهم من إسطنبول حول ما يجري في بلادهم، فكان ثمن ذلك حملة إعلامية وسياسية رسمية واسعة ضد قيادات العدالة والتنمية، اليوم لن يكون من الصعب جدا تصور ما سيحدث حيال استضافة أنطالية التركية لقيادات ورموز في المعارضة السورية شكروا أردوغان مطولا على فتح الأبواب أمامهم باسم الحرية والديمقراطية والتغيير.

تركيا حريصة على العلاقات الاستراتيجية مع سوريا، كما قال أردوغان، لكننا لم نعد نعرف إذا ما كانت حريصة على علاقاتها الاستراتيجية مع القيادة السورية نفسها. محاولة إخراج الجار السوري من أزمته قد تتوقف عند حدود الدولة المجاورة الواجب إعطاؤها الأولوية المطلقة في اهتمامات السياسة الخارجية الحالية، كما قال داود أوغلو. التمييز بين سوريا الجار وسوريا النظام معادلة جديدة بدأت تتشكل في صفوف صناع القرار التركي، وكلمة الحسم هي عند الرئيس الأسد وحده لإسقاط كل هذه الاحتمالات.

خارطة الطريق التركية باتجاه سوريا، التي يتحدث البعض عنها، لا وجود لها، وهي مجرد محاولة لإشراك أنقرة في الأخطاء المتلاحقة التي تُرتكب هناك. لا خدمات تركية تقدم في دمشق طالما أن الصوت التركي لا يعبر الحدود المشتركة هذه المرة، ولا أحد يقبل بطلب إعلان المرحلة الإصلاحية الانتقالية أو البوح بكلمة السر التي تعيق طريقه.

و«علاج الصدمات» الذي طالب به داود أوغلو قد يبدأ في القريب العاجل؛ ليس فقط لحماية سوريا واستقرارها، بل لتحمي تركيا نفسها من ارتدادات الأزمة السورية، التي يلوح البعض بلعبها ضد أنقرة على طريقة عليّ وعلى أعدائي.

شعبية الرئيس الأسد تتراجع، تحديدا في صفوف القواعد الإسلامية داخل العدالة والتنمية، كذلك هي الحالة مع شعبية أردوغان في أوساط البعثيين المتشددين، حماة النظام والمحاربين باسمه. لكننا مع ذلك نأمل أن لا يتحول النقاش إلى أبعد من ذلك في المستقبل القريب، فنجمع بين مصالح البعض في تل أبيب، الذين كانوا وما زالوا يبحثون عن الفرص والحلفاء الذين يدعمونهم في إسقاط حكومة العدالة وإبعادها عن السلطة في تركيا، وبين مصالح أصوات ارتفعت مؤخرا في دمشق تلوح بمعادلة الربط بين الاستقرار في سوريا والأمن في إسرائيل، التي قد تتحرك هي الأخرى لمحاربة حكومة أردوغان ومحاولة الإطاحة بها، على طريقة عدو عدوي هم صديقي.