إيران: اشتعال النزاع في القمة

TT

أصبح التساؤل الذي يدور حول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في الوقت الحالي هو: هل سيتنحى أم سيبقى؟

فمنذ وقت ليس ببعيد كان أحمدي نجاد يعد الأكثر قوة بين الرؤساء الخمسة للجمهورية الإسلامية منذ بدايتها قبل ثلاثة عقود.

وبإسكات الحركة «الخضراء» المعارضة، لم تواجه إدارته تحديا يذكر داخل مؤسسة الحركة الخمينية. كما أحرز أحمدي نجاد تقدما أثناء عرضه لمذهبه الخاص بـ«الإسلام الإيراني» كبديل للمزيج الذي اختلقه آية الله الخميني. وكان من المفترض أن تباع مليون نسخة من السيرة الذاتية لأحمدي نجاد والمترجمة إلى 30 لغة وتحمل عنوان «أحمدي نجاد: معجزة القرن».

وتباهت حاشيته قائلة إنه سيحصل على 35 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية عام 2009، بدلا من 25 مليون صوت حصل عليهم. وتدعي الحاشية أن أحمدي نجاد خسر 10 ملايين صوت بسبب ارتباطه بـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي. كما تدعي الحاشية أيضا أن أنصار أحمدي نجاد مستعدون للفوز بثلثي الأصوات في الانتخابات البرلمانية العام القادم.

ولكن تبدو الأمور مختلفة الآن. حيث تمتلئ طهران بشائعات عن أن أحمدي نجاد، المكتئب للغاية، ربما يفكر في التنحي. وتقوم وسائل الإعلام التي يسيطر عليها خامنئي بشن وابل من الهجمات اليومية على الرئيس. وقبل أيام قليلة، قامت جريدة «كيهان» بنشر هذا العنوان الرئيسي: «أحمدي نجاد في طريقه للحرمان (تكفير)».

ومن الممكن ألا تكون هجمات وسائل الإعلام السبب الرئيسي لاكتئاب أحمدي نجاد، كما أوردت تقارير. حيث لا يمر يوم تقريبا من دون أن يعترض خامنئي على قرار للرئيس. أراد أحمدي نجاد عزل حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات والأمن. وتدخل خامنئي وطالب بإعادة الوزير، المشهور بعدم كفاءته. وغضب أحمدي نجاد أحد عشر يوما قبل أن يبتلع «القرص المر» ويوافق على رجوع الملا مصلحي إلى مجلس الوزراء مرة أخرى.

وكذلك عندما أراد أحمدي نجاد دمج أربع وزارات لتقليص نفقات بيروقراطية. اعترض خامنئي وطالب بعرض الأمر على المجلس الإسلامي، البرلمان الإيراني الزائف. كما أمر «المرشد الأعلى» أن يخضع الوزراء الجدد لتصويت للحصول على ثقة المجلس.

وقد نشرت حاشية خامنئي أن أحمدي نجاد في منصبه لرغبة خامنئي في ذلك. وفي يوم قريب، صرح محمد رضا باهنر، الناطق باسم خامنئي في المجلس، لوسائل الإعلام بأن «المرشد الأعلى» يرغب في بقاء الرئيس في منصبه حتى تنتهي مدته الرئاسية عام 2013.

ولا تفوت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها خامنئي فرصة لوصف اسفنديار مشائي، أكثر المقربين لأحمدي نجاد، بـ«عدو الإسلام»، و«القومي الفارسي»، و«عميل الامبريالية». كما هدد حزب الله، وهو مجموعة تسيطر عليها أجهزة أمنية، بقتل مشائي في بيان وُزِّع في طهران الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه أمر خامنئي الإخوة لاريجاني بالاستعداد لـ«ما بعد أحمدي نجاد». ويصور علي أردشير، الأخ الأكبر ورئيس المجلس، نفسه على أنه الرئيس القادم للجمهورية. وقد استخدم الأخ الثاني صادق، الذي يرتدي ملابس الملا، منصبه كرئيس للمحكمة العليا ليهدد أحمدي نجاد بـ«العواقب القانونية» لقرارات الحكومة غير المحددة. وصرح الأخ الثالث، محمد جواد، لمصادر بريطانية بأن «النهاية الوشيكة لأحمدي نجاد ستكون بداية جديدة للسياسة الخارجية الإيرانية».

أراد أحمدي نجاد إرسال وزير الخارجية علي أكبر صالحي إلى السعودية في «زيارة عمل» في محاولة لإصلاح العلاقات مع الرياض. غير أن خامنئي أشار إلى اعتراضه من خلال الصحف التي يسيطر عليها مكتبه. وقد حاول أحمدي نجاد لأسابيع تعيين حاكم لولاية فارس. ولكن اختياره كان مطاردا بواسطة أتباع خامنئي السياسيين الذين يحاصرون مكتب الحاكم في شيراز.

ولا يمر يوم دون أن يهاجم أحد الملالي أحمدي نجاد، ومن بينهم أفراد كانوا موجودين بدفاتر الرواتب التابعة حتى وقت قريب. ومن الواضح أن خامنئي غالبا ما يقدم مظروفا ضخما إلى الملا المعني. وقد اتخذ الجيش موقفا ضد أحمدي نجاد. وبعدما كان ينظر إليهم على أنهم أهم مؤيدي أحمدي نجاد، يظهر جنرالات الحرس الثوري على شاشات التلفزيون ليشجبوا «الميل المنحرف» للرئيس.

ويروج خامنئي لسلطاته حتى في القضايا الصغيرة. فعندما قام أحمدي نجاد الأسبوع الماضي بالموافقة على قرار من الأكاديمية الإيرانية باستعمال الكلمة الفارسية «باسفر»، بدلا من كلمة «بوليس» الفرنسية، التي تستخدم في إيران منذ القرن التاسع عشر، وكان هذا جزءا من قرار أحمدي نجاد بتطهير المفردات الفارسية بالتخلص من المفردات العربية وغيرها من الكلمات الأجنبية الأخرى. ولكن اعترض خامنئي على القرار ووصفه بأنه «إشارة أخرى إلى القومية الإيرانية» التي يعدها تهديدا للإسلام.

وتابع الكثير في طهران السخرية التي يتضمنها دفاع ملا عن كلمة فرنسية في مقابل أخرى فارسية لها نفس المعنى.

وقد أشارت صحف موالية لخامنئي إلى «اتصالات سرية» بين أحمدي نجاد والحركة «الخضراء» المعارضة لتشكيل جبهة ضد خامنئي. وهناك حديث عن أن الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني قام بتنحية كراهيته القديمة لأحمدي نجاد في محاولة لعزل «المرشد الأعلى».

وأخيرا قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على ما يزيد على 50 عضوا من حاشية أحمدي نجاد، بمن فيهم بعض الأصدقاء المقربين منه، بتهمة «نشر معتقدات غير مصرح بها».

ماذا يعني كل هذا؟

ما من شك في أن أحمدي نجاد وخامنئي على خلاف. ولا توجد مفاجأة في ذلك، فقد كان لجميع الرؤساء - كما ذكرت في مقال سابق - خلافات مع «المرشد الأعلى» الموجود أثناء ولايتهم. إن تقاسم السلطة في القمة دائما ما يسبب خلافات. فبسبب عجزه عن الطيران، يقوم العقاب ذو الرأسين غالبا بتمزيق نفسه إربا.

في البداية قام أحمدي نجاد بإغضاب خامنئي عندما قام بإقصاء جماعته من العديد من العقود وصفقات الأعمال المربحة.

بيد أنها، المرة الأولي، التي ربما يكون النزاع فيها حول شيء أكبر من السلطة الشخصية. فقد أدرك أحمدي نجاد إفلاس الخطاب الخميني ويحاول استبدال آخر شبه قومي به، ربما يكون أكثر خطرا، ولا يوجد مكان للملالي في ذلك. وربما يحاول خامنئي دفع أحمدي نجاد إلى الحافة آملا أن يفقد الرئيس أعصابه ويقر بهزيمته. غير أن أحمدي نجاد من الممكن أن يظهر صلابة أكثر من التي يأملها خامنئي.

ولكني أعتقد أن أحمدي نجاد لن يتنحى، وإذا ما تم إجباره على ذلك، فإنه لن يهرب إلى المنفى كما فعل الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية أبو الحسن بني صدر. ولن يتذلل إلى «المرشد الأعلى» كما فعل رفسنجاني ومحمد خاتمي.

ولكن ماذا عن الاغتيال؟ وهذا ما حدث لمحمد علي رجائي، الرئيس الثاني للجمهورية الإسلامية.

فحقيقة مهاجمة خامنئي لأحمدي نجاد كل يوم إشارة إلى فزع «المرشد الأعلى». وكما يقول المثل الفارسي: الملا مثل ثعبان ولذا يكون أكثر خطورة عندما يشعر بالخوف.