ثورة سعد

TT

كان هناك رد فعل واحد في كل مكان، وهو أن «الثورة» فاجأت الجميع. وبدا مدى المفاجأة واضحا من استغراب العقيد معمر القذافي لما حدث في تونس؛ إذ تساءل لماذا لم ينتظر التونسيون على رئيسهم حتى إكمال ولايته عام 2013. وفي 25 يناير (كانون الثاني) كانت الحكومة المصرية تعبئ أهل القاهرة للاحتفال بيوم الشرطة، فإذا بالشرطة تختفي من الوجود ليظهر الهجانة والخيالة بعد مائة عام على اختفائهم من أمام «خانات» العاصمة الجميلة. طائرات فانتوم من فوق وإبل من تحت. وأذكر أن أكثر ما أحزنني يومها، أن الفرس الغبراء، المكرة المفرة كجلمود صخر، كانت بائسة وجرباء، ولا تليق بالاستعراض. ربما كان السبب الاستعجال.

من يقرأ كيف قامت ثورة سعد زغلول، يرَ المشهد مكررا. كلما اعتقل رجل خرجت مظاهرة. وكلما قتل متظاهر أغلقت مدينة مصرية أخرى. لا يزال كتاب «البجعة السوداء» يبيع آلاف النسخ، إنه أعطى الأمثلة على أن الإنسان والأنظمة وآلات الكومبيوتر، عاجزين عن توقع أبسط المفاجآت. لا الذين صنعوا الثورة الفرنسية كانوا يتوقعون كل ما حصل ولا الذين أطاحتهم.

«وزاد في نكايتهم أنهم يعانون هذا الكظم كله في الوقت الذي تعلو فيه دعوة الإنصاف، وتتجاوب فيه الأصداء بالظفر والرجاء. وإنهم يطلبون أمرا يسيرا هو حق الشكوى والاحتجاج، ثم يستنكرون هذا العنت الغاشم فيعاقبون بإطلاق الرصاص، ولا يراد منهم إلا أن يختنقوا وهم صامتون. فلما شاع خبر إطلاق الرصاص على المتظاهرين وشاعت أخبار الموتى والمعتقلين، طغى الغضب بعد أن طم، وظهر بعد أن عم في جميع أنحاء البلاد بغير تدبير ولا سبق اتفاق».

هذا المقطع ليس مأخوذا من «الأهرام» قبل مائة يوم بل كتبه العقاد قبل مائة عام.

الثورة لا تقوم في يوم ولا تدبر في يوم. إلا أنها تنفجر في موعد واحد حاملة تراكمات السنين وعقود الإهانة والمذلة والتعذيب والاستهتار بمشاعر الناس وكراماتها. التفاجؤ بالحركات المعارضة كان دليلا على التمادي في الاستهتار بطاقة البشر، وفي احتقار تطلعهم إلى المساواة والعدالة، وخصوصا، الاحترام. لا جديد تحت الشمس، كان نابليون يقول. والشعور بالكرامة، كالشعور بالإهانة، لا يتغير مع الشعوب والأزمان والبلدان. سواء كان العابث بها هو الاستعمار أو المستعبد الوطني.