ما بين رنين الكاس.. ورنة الألحان

TT

بعث لي أحدهم رسالة يذكر فيها، على حد زعمه، أنه بذل المستحيل للوصول إلى رقم تليفوني المحمول للتحدث معي، وعندما أعياه التعب، اتصل على الاستعلامات وأخذ منهم رقم تليفوني المنزلي الثابت ويقول: كنت أتصل بك قبل ثلاثة أيام من كتابة هذه الرسالة، إلا أنه اتضح لي أنني كنت أضغط بالغلط على مفتاح المنطقة برقم (3) بدلا من رقم (2) الذي هو مفتاح مدينة جدة، ويرد علي دائما موظف في أحد مطاعم (الخفجي)، وينتهي بعد هذه المقدمة كلها قائلا: المهم أنني أود أن أطرح مشكلتي على طاولة مفاوضات أقلامك وحبرك و(إيميلك) وهي أنني أقولها جازما: لا أستطيع النوم إلا بعد تفكير عميق يقودني إلى حياة أصحاب الملايين والحياة في منتجعات سويسرا والنمساء.

لذا أود مساعدتي بطرح الحلول: هل أتخلى عن مواصلة أحلامي وأقعد على الراتب والفورد الزيتي وأتفرغ للحياة البسيطة، أم أواصل مسيرة الكفاح؟

لذلك أناشدكم سرعة الرد.

قبل أن أبدا بالرد على (أبو ليلى)، وهذا هو اسمه الذي كتبه في رسالته، أقول له: إن (النمسا)، لا يقال لها (النمساء)، واسمها الصحيح: (أوستريا)، ولا أدري من أين أتى العرب بهذا المسمى: (النمسا)؟! - ولكن ما علينا - المهم يا (أبو ليلى)، أنت بكلامك هذا ذكرتني بحادثة حصلت لي مع اثنين من الإخوة أحدهما مصري والآخر يمني، وكنا نسير في أحد شوارع روما أيام الدراسة (الغابرة)، وقابلتنا إحدى الفتيات، وكانت في منتهى الحلاوة، فقال المصري دون أن يشعر: يا دين النبي.. فقال له اليمني: لا تقل يا دين النبي ولكن قل: (كي بلاء)، وهو أراد أن يصححه فأضحكنا؛ لأن النطق الصحيح هو (كي بللا)، من دون (الهمزة) - ومعناها (كم هي جميلة) أو (أطوطة).

يا سيدي كان خيرا لك أن تكتفي بمطعم الخفجي، بدلا من مطبخي هذا الذي لن تحصل منه على شيء غير (الزفارة).. فيا (أبو ليلى)، اترك منتجعات سويسرا والنمسا(ء)، فلن تأتي لك إلا (بوجع القلب)، صدقني.. خصوصا لو ذهبت إلى مقاهي (فيينا)، وأخص بالذكر مقهى الأميرات (ديمل كفي)، في منطقة (فرابن)، وكانت كل المواعيد التي (تنعش الفؤاد) تُعقد هناك، أيام عز (الإمبراطورية)، ولا ننسى أن المطربة أسمهان قبلك تحدثت عن ليالي الأنس في فيينا، وغنت بصوتها الشجي الذي يشبه (الألماس المطحون)، وقالت: (ما بين رنين الكاس ورنة الألحان)، فاهتزت أغصان ما كان لها أن تهتز، لولا سطوة الغرام وجبروته.. ولولا أن الدنيا (الفاتنة)، التي ليس لها أمان، تقلب للناس في نهاية المطاف (ظهر المجن)، فماتت أسمهان، وتفرق الأصحاب، وتكسرت الكؤوس، ولم يبق سوى صوت ولحن، يعاد ويستعاد على أشرطة (الكاسيت والأسطوانات).

أما عن منتجعات سويسرا، وبحيراتها، (وشوكولاتاتها)، وخصور فتياتها، وقبل ذلك كله عن بنوكها ومصارفها.. فالله هو (المعطي)، وهو (الآخذ)، وهو (المنجي).

ونصيحتي لك يا فتى العرب: (ابعد عن الشر وارقص له)، اهرب، وانفذ بجلدك (تربت يمينك).. اقعد، و(بلط) على راتبك، وفوردك الزيتي، وتفرغ للحياة البسيطة (الكحيتي) وواصل مسيرة الكفاح (العرجاء).. ولا تنس أن تنام في ليالي البرد القارسة دون أن تتغطى.

[email protected]