«لا حول ولا قوة»

TT

سافرت إلى بلدان كثيرة مرات كثيرة لم تكن صنعاء بينها، مع أن السفر قد طال. لكن لي في اليمن أساتذة وأصدقاء وأحباء، من أهل اليمين ومن أهل اليسار، وإذا شئت فمن أهل القبائل أيضا. فلم أكن أعرف الشيخ صادق الأحمر إلى أن تقدم مني في بهو فندق «الفيصلية» بتواضع جم، ليقول ما يقوله أهل اليمن في لقاء الغرباء.

عاد أحمد بهاء الدين مرة من اليمن إلى لندن، يحمل علامات حزن عميق. وفي طفولته العبقرية الكبرى، قال «يجب أن تذهب إلى اليمن. يجب أن نفعل شيئا سريعا لفقره. إنه لا يطاق». ماذا يمكن أن يفعل كاتب رائع، كبير القلب، وطامح إلى تقليده، من أجل بلد مثل اليمن؟ لم أرد أن أعكر حماسه، لكنني فكرت في نفسي، إننا سوف نكون مثل دون كيشوت وبانشو، رفيقه الساذج في الجولة على طواحين الهواء.

بقينا نتتبع أخبار اليمن عن بعد. حضرت في بروكلين، برفقة الدكتور محسن العيني، إعلان الوحدة، قبل إعلانها في صنعاء وعدن، بطائرات الرئيس الموحد ودباباته. وفي الأمم المتحدة أيضا كنت ألتقي محمد ياسين نعمان، فأفهم من مخاوفه وصراحته وحديثه، أن السعادة موجودة، على الأرجح، خارج اليمن.

ظلت شخصية الرئيس علي عبد الله صالح، أمرا محيرا. أفضل شرح في هذا المعنى سمعته من عبقري الصورة الأدبية غازي القصيبي. وأوضح صورة توصلت إليها بنفسي كانت عشية حرب تحرير الكويت. يومها كان صاحب صنعاء يؤيد، دون أي حساب، صاحب بغداد. وقد دفع اليمنيون الثمن كما دفع الفلسطينيون ثمن موقف أبو عمار.

قبل الحرب بيوم واحد أصغيت إلى مقابلة مع الرئيس اليمني في إذاعة دولية. المذيع يسأل، والرئيس يدور. المذيع يسأل، والرئيس يسأل. المذيع يلح والرئيس يتنحنح. وكان لا بد للمقابلة أن تنتهي، فسأل المذيع: وماذا إذا اندلعت الحرب غدا، فأجاب الرئيس: «عندها، لا حول ولا قوة»! لعل هذا ما يردده اليوم. حقا، لا حول ولا قوة، في نهاية المطاف.