الاقتصاد الأميركي يدفع ضريبة عدم اليقين

TT

إذا أردت أن تفهم سبب عدم انخفاض معدل البطالة في أميركا وبقائها عند مستوى الـ9%، من الجيد أن تبدأ بالقراءة المتأنية للإحصاءات التي أصدرتها الأسبوع الماضي شركة «كور لوجيك» التي تعمل في مجال التحليل الاقتصادي. توضح هذه الإحصاءات أن 38% من أصحاب المنازل الذين يمتلكون منزلا ثانيا في وضع سيئ، حيث اقترضوا مقابل قيمة منازلهم وفاق حجم ديونهم قيمة منازلهم بكثير. وتبلغ نسبة أصحاب المساكن المتعثرين في أميركا سواء الذين يملكون منزلا واحدا أو اثنين 22.7%. ففي ولاية نيفادا وحدها أصبحت قيمة 63% من عقارات الرهن العقاري أقل من المبلغ الذي دفعه أصحابها. وتبلغ النسبة في ولاية أريزونا 50%، وفي فلوريدا 46% وفي ميتشغان 36% وفي كاليفورنيا 31%.

وعندما يتعثر الناس، يجدون أنه من الصعب العمل في وظائف جديدة أو الاقتراض أو الحصول على أموال من أجل التعليم أو إقامة مشروع، ويزداد حرص المصارف في الإقراض. وإلى حين اكتشاف الدولة طريقة لتقاسم هذه الخسائر الخاصة بقطاع الإسكان وإنقاذ هذه السوق وجعلها تستمر، سيظل مجال التوظيف يواجه مشكلات كبيرة. ومن المؤكد أن هذه الفوضى التي يشهدها قطاع الرهن العقاري تؤدي إلى تفاقم ثلاث مشكلات كبيرة أخرى تقوض تزايد الوظائف في الولايات المتحدة اليوم وهي قلة إجمالي الطلب والمعوقات الإدارية وتزايد الشعور بعدم اليقين بشأن ما يخبئه المستقبل على مختلف الأصعدة بدءا من الرعاية الصحية إلى ضرائب الضمان الاجتماعي والإنفاق على الرعاية الصحية، ووصولا إلى توجيه الائتمان نحو التوجه العام للاقتصاد الذي يجعل الناس تحتفظ به مما يقوض الحافز الذي تقدمه الحكومة.

نحن بحاجة إلى العمل على معالجة الثلاث مشكلات معا وسريعا. لكن السؤال هو كيف يتم ذلك؟ لقد ركز آخرون على كيفية معالجة مشكلة إجمالي الطلب، لذا سأقدم تصورا لمعالجة المعوقات الإدارية والشعور بالشك وعدم اليقين.

يوم الجمعة الماضي أصدر معهد «ماكنزي غلوبال» دراسة مطولة تحت عنوان «اقتصاد ناجح: خلق الوظائف ومستقبل أميركا». تناولت الدراسة القضايا الإدارية التي تؤثر سلبا على سوق العمل الأميركية. وتبدأ الدراسة بقول: «في أفضل السيناريوهات المحتملة ستنتهي البطالة في الولايات المتحدة عام 2020. لكن من أجل تحقيق ذلك ينبغي استمرار نمو الطلب وزيادة قدرة الولايات المتحدة التنافسية في الاقتصاد العالمي والعمل على التوفيق بين الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة والوظائف». وكما جاء في الدراسة، من الملاحظ أنه على مدى العشرين عاما الماضية يستغل أصحاب العمل كل فترة ركود اقتصادي للاستعانة بالآلات وبرامج الحاسب بدلا من العاملين، لذا تطول الفترة اللازمة لإنهاء البطالة في البلاد مرة أخرى. لقد كنت أعمل على تأليف كتاب تطلب التحدث مع الكثير من أصحاب الأعمال التجارية وقد ذهلت عندما أخبرني أكثرهم أنهم استغلوا فترة الركود الاقتصادي لتقليص حجم العمالة وتحقيق الكفاءة، مؤكدين أنهم لن يسعوا إلى تشغيل عاملين في هذه الوظائف مرة أخرى وأنهم لا يعينون حاليا سوى القليل من العاملين الذين يتمتعون بمهارات أكثر.

في الوقت ذاته، عندما تتحدث إلى شركات أميركية تعمل في مجال الصناعات المتقدمة، سيخبرك كثيرون بأنهم يسعون جاهدين إلى تعيين عمال يتمتعون بمهارات العمل اليدوي ليحلوا محل العمال الذين على وشك التقاعد. وبفضل فقاعة الائتمان التي شهدها العقد الماضي، تم توفير الكثير من الوظائف في مجال البناء والتجزئة لأشخاص لم يكن لديهم مهارات تنافسية عالمية أو شهادات جامعية. وسيحتاج هؤلاء العاملون إلى إعادة تأهيل.

ويقول معهد «ماكنزي غلوبال» إن الدراسة التي أجراها أوضحت أن «عددا قليلا فقط ممن يلتحقون بالجامعات والكليات المهنية الأميركية يختارون تخصصات تزودهم بمهارات محددة يريدها أصحاب العمل. وتشير المقابلات التي أجريناها مع العينة إلى عجز محتمل في كثير من الوظائف مثل وظيفة اختصاصي التغذية ولحامي المعادن ومشرفي الحضانات فضلا عن العجز المتوقع في وظائف مثل مهندسي الحاسب والمهندسين بشكل عام». ويأتي في ختام التقرير «أن هناك حاجة إلى تحقيق تقدم على 4 أصعدة وهي ضمان اكتساب القوى العاملة المهارات التي تتطلبها كل الوظائف المعروضة والعثور على طريقة يستطيع العمال الأميركيون من خلالها الحصول على حصة من الاقتصاد العالمي من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة وحث الشركات التي تقوم بالتعهيد على الاستفادة من انخفاض أسعار قطاع الاتصالات وتوجيه التعهيد إلى المدن والبلدات الأميركية التي تقدم الخدمة بسعر منخفض، وتشجيع الابتكار وإنشاء شركات جديدة وزيادة العمال في المجالات المختلفة داخل الولايات المتحدة وإزالة المعوقات وإلغاء الإجراءات غير الضرورية التي تبطئ الحركة في قطاع الاستثمار وتحول دون توفير الوظائف. ويعيق كل إجراء بدءا من تعطيل إصدار براءات الاختراع إلى التداخل أو التناقض بين اللوائح المنظمة لاستخدام الأراضي إقامة الشركات وبناء المصانع. وطبقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل الولايات المتحدة المركز السابع والعشرين من حيث تسهيل إجراءات إصدار تصريح بناء وتلي بذلك المملكة العربية السعودية في الترتيب.

لكن لا يجب أن نقلل من أهمية الشعور بعدم اليقين، فهو مثل القاتل الصامت. يبدو عجز الكونغرس والبيت الأبيض واضحا فيما يخص اتخاذ قرار بشأن الضرائب المستقبلية وحجم الإنفاق في المستقبل. إلى أين نتجه في هذا الشأن؟ ليس لدى المستثمرين والشركات التي تتخذ قرارات التعيين أدنى فكرة عن هذا. ويقول محمد العريان، الرئيس التنفيذي لصندوق «بيمكو» الذي يعد أكبر صندوق سندات حاليا: «إن الاقتصاد يدفع حاليا ثمنا باهظا لعدم اليقين. وبسبب هذا الشعور يؤجل الناس اتخاذ أكبر قدر ممكن من القرارات». هل من أخبار سارة تلوح في الأفق؟ نعم، فإنتاجية الشركات الأميركية في ارتفاع وتجني الشركات الكثير من الأموال. ولا يحتاج الأمر سوى اتخاذ الكونغرس قرارات كبيرة ذكية خاصة بالضرائب والإنفاق (والرهن العقاري) يؤيدها الحزبان حتى يعود الاقتصاد إلى التحسن مرة أخرى. وستكون الأولوية لتعيين العاملين الذين يتمتعون بالمهارات اللازمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»