المخلوع.. سابقا!

TT

سألت البعض من المصريين الأصدقاء كيف يودون أن يسمى الرئيس السابق، الموضوع قيد التحفظ في شرم الشيخ، حسني مبارك: «السابق أم المخلوع»؟ واستوقفني رأيان، الأول: مصرية فكرت قليلا ثم قالت: طبعا السابق؛ لأن هذا هو الواقع، فالرجل تنحى، ويجب أن نقول الواقع. والثاني لصديق اعتبر أن الرجل مخلوع؛ لأن الشعب أجبره على التنحي، وإن كان قد اعتبر هذا من قبل القضايا المفتعلة التي تجري إثارتها هذه الأيام لتبلبل الناس وتشغلهم عما هو أهم، وهو التفكير في شكل المجتمع والدولة التي يريدونها.. وتهكم قائلا: أخشى أن يقودنا هذا الجدل والبلبلة إلى يوم نقول فيه: الرئيس المخلوع سابقا، وطبعا هذا سيناريو مستبعد تماما، وإن كانت النكتة لها مغزى.

مناسبة السؤال هي الجدل الذي أثير ونشرته «الشرق الأوسط» في تقرير من القاهرة يوم 12 يونيو (حزيران) الحالي، عن تسريبات باستخدام تعبير «السابق» بدلا من «المخلوع» في البرامج التلفزيونية ونفي المشرف على التلفزيون الرسمي صدور أي توجيهات أو تعليمات بذلك.

التوصيف الحقيقي والموضوعي يقول: إن مبارك يقف في منطقة ما بين السابق والمخلوع؛ فالشواهد والأحداث تقول إنه أجبر، تحت الضغط، على تسليم السلطة والتخلي عن سلطاته بعد محاولات مستميتة للاحتفاظ بالكرسي، بعدما خرج ملايين المصريين ضده. لكنْ أيضا هناك بيان رسمي قرأه نائبه الذي تولى المنصب لأيام معدودة باسم الرئاسة وأعلن فيه تنحيه، مما جنب الوصول إلى وضع يجري فيه الإطاحة فيه بالقوة السافرة، أو حدوث وضع انقلابي، ففي النهاية اتخذ قرار التنحي، سواء أكان قد وقع الورقة بالإجبار أم طواعية.

مخلوع أم سابق؟ المفترض أن هذا فصل في التاريخ وانتهى، ولا يمكن تصور وضع يعود فيه إلى قصر الرئاسة ليصبح الرئيس المخلوع سابقا. فليسمه كل من يريد كما يشاء، فهي ليست قضية مهمة إلى هذه الدرجة لتكون مادة جدل واهتمام إعلامي شديد، في وقت الناس أحوج ما يكونون فيه إلى التفكير في المستقبل مع استحقاقات بالغة الأهمية، دستورية وسياسية، أبرزها الانتخابات التشريعية، المفترض أن تجري بعد أقل من 3 أشهر من الآن. وهي قضية من بين قضايا كثيرة حول النظام السابق تأخذ شكلا إعلاميا سياسيا وإعلاميا مثيرا ويغرق الناس في تفاصيلها.

مفهوم أن هناك مظالم كثيرة، وأن هناك غضبا شعبيا واضحا من ممارسات النظام السابق، ورغبة في أن يكون هناك حساب للمسؤولين السابقين على ما ارتكبوا، لكن حينما تأخذ مسألة محاسبة الماضي، وقصص ممارساته، أيا ما كان حجم الإثارة الصحافية والإعلامية فيها، المساحة كلها، ولا يتبقى سوى جزء ضئيل للتفكير في المستقبل، يكون هناك شيء خطأ يحدث، وتتحول رغبة البعض في المزايدة على الشارع إلى عملية تتويه له عن أهدافه الحقيقية. هذا الشارع الذي أيد بنسبة تفوق 80%، حسب استطلاعات الرأي الدولية، الثورة، وشارك 11% من سكان البلد في النزول للشارع للتظاهر، يحتاج من نخبته أن تثري حوارا جديا وتنير الشارع بكيفية بناء دولة عصرية ديمقراطية. هذا الشارع متفائل بأغلبية كبيرة تتجاوز 60% بعد الثورة، على الرغم من الحديث القلق عن المتاعب الاقتصادية، والانفلات الأمني بأن المستقبل سيكون أفضل حسب استطلاعات محلية في مصر، وقامت بها جهات دولية ونشرت مؤخرا. وحق هذا الشارع على نخبته الفكرية والسياسية أن تتجاوز قليلا خلافاتها الفكرية نحو ما هو مشترك، وتنشغل أكثر في التفكير في بناء المستقبل وحماية الثورة من الارتداد، أو أن يمل الناس منها، فأكبر انتقام من النظام السابق هو إرساء دعائم دولة عصرية ديمقراطية مزدهرة يشعر فيها الناس بأن لكل منهم حصة فيها.