لهون.. وبس!

TT

العلاقات السورية - التركية مرت بمراحل مختلفة من الشد والجذب، وكانت هناك أكثر من محطة لافتة لا بد من الوقوف أمامها والتمعن قليلا لمعرفة أهمية الموقف التركي الحالي تجاه الثورة في سوريا. منذ أن عينت الدولة العثمانية أحمد جمال باشا حاكما على سوريا وبلاد الشام في دمشق وهذه العلاقة آخذة بعدا مهما، إذ إن هذا الرجل أصبح الحاكم المطلق فيها وهو من قادة جمعية الاتحاد والترقي وشارك في الانقلاب على السلطان عبد الحميد. حكم الشام بقبضة حديدية وأجبر أهلها على الدخول في حرب خاسرة ضد الإنجليز في ما عرف لاحقا بـ«سفر برلك» ومني بهزيمة نكراء في ضفاف قناة السويس، وكان يعامل العرب بازدراء شديد نتج عنه إعدام كبير لمجموعة من المثقفين والأدباء العرب في ساحة عامة في كل من بيروت ودمشق، وأصبح لقبه الجديد «جمال السفاح». وفي سنة 1939 ضمت تركيا منطقة لواء إسكندورن، وهي قطاع كبير من الأراضي السورية تقع بشمال البلاد ويسكن فيها عرب ناطقة بالعربية ويتبعون المذهب العلوي في أغلبهم، وكان الأتراك وقت ضم الأراضي يشكلون أقل من 20 في المائة من سكانه وإلى اليوم لا تزال سوريا لا تعترف بضم تركيا للواء إسكندورن ولكن القضية تم الاتفاق على إغلاقها بين البلدين في السنوات التي شهدت نموا هائلا في العلاقة الاقتصادية، وتوافقا وتقاربا سياسيا. لعب حافظ الأسد بالورقة الكردية بحذر شديد؛ فكان «يسمح» لعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعارض والمسلح ضد تركيا، بالقيام بـ«مشاغبات» من الأراضي السورية كورقة ضغط تعلب بها سوريا ضد الأتراك لتحسين وضعها التفاوضي في موضوع الحدود والمياه (والمياه مسألة كانت مصدر صراع وقلق مزمن لسوريا نظرا لتقلص نسب سوريا من نهر الفرات نتاج بناء سد أتاتورك المهول عليه، مما أدى إلى تدهور الرقعة الزراعية بسوريا)، ولكن في عام 1998 اعتقدت أن أوجلان تجاوز مداه وحشدت تركيا حشودها وعتادها العسكري على حدود سوريا، مما أجبر النظام السوري على تسليم أوجلان إلى تركيا بشكل فوري. ولكن اليوم تركيا تعتبر نفسها معنية مباشرة بتداعيات الوضع الخطير في الداخل السوري، وخصوصا مع الارتفاع المهول في أعداد النازحين السوريين إلى تركيا وازدياد الحديث عن البركان الطائفي المتوقع انفجاره في سوريا، وهذا البركان ستطال حممه تركيا نفسها. فتركيا لديها الشرائح العرقية والطائفية التي ستتأثر مباشرة بالاقتتال والقمع الحاصل من النظام بحق مواطنيه المتظاهرين والمنادين بالحرية والإصلاح، فتركيا فيها ما يقارب السبعة ملايين علوي وما يقارب الاثني عشر مليون كردي وعدد غير قليل من الأرمن والآشوريين المسيحيين وكذلك طبعا السنة، والتعاطف بشتى أشكاله مع ما يحدث في الداخل السوري بدأ يظهر بطرق مختلفة مع هذه الشرائح مشكلة قوة ضغط متزايدة على الخطاب السياسي للزعيم التركي رجب أردوغان، وهو الذي أرسل رسائل مختلفة في الخاص والعلن للرئيس السوري بشار الأسد يطالبه فيها بإجراء الإصلاحات الفورية وإيقاف القمع والقتل والاعتقال والتضحية بـ«رؤوس مكروهة محسوبة على النظام ومقربة منه»، ولكن هذا لم يحصل. ولكن اللافت أن أردوغان بدأ يغير لهجته مع سوريا وأخرج العصا الغليظة في كلامه الذي بات فيه وعيد وتهديد، لأنه أصبح يرى تداعيات الثورة السورية تهديدا مباشر للأمن القومي التركي، وهو نفس ما أشار إليه بشكل مخفف لدى زيارته للشمال اللبناني مع سعد الحريري في رد على زيارة أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني وحليف سوريا الكبير، للجنوب اللبناني. تركيا تعتبر الثورة السورية الآن موضوعا تخطى أن يكون شأنا سوريا داخليا، ولكنه انفجار يتسع وشظاياه لن ترحم أحدا ما دام بقي ساكتا.

[email protected]