آفاق المبادرة الفرنسية

TT

تنفس الفلسطينيون والعرب الصعداء، حين طرح السيد آلان جوبيه، مبادرته السياسية بعقد مؤتمر سلام فلسطيني إسرائيلي قبل نهاية يوليو (تموز)، على أساس المرجعيات التي حددها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأهمها بالطبع أن يتم التفاوض على مسألتي الحدود والأمن على أساس خطوط ما قبل يونيو (حزيران) 1967، مع تعديلات متفق عليها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

إن سرعة الموافقة الفلسطينية ودون انتظار موافقة إسرائيلية حملت فيما حملت من معان، رغبة الفلسطينيين في العودة إلى دائرة المفاوضات، مع تضحية اضطرارية بشرط توقف إسرائيل عن الاستيطان والاكتفاء بما وصف بالمرجعيات التي حددها الرئيس أوباما في خطاباته بوزارة الخارجية الأميركية ومؤتمر إيباك اليهودي. إلا أن الموافقة الفلسطينية السريعة أو المتسرعة، تشير من جهة أخرى إلى أن القيادة الفلسطينية وجدت أن المبادرة الفرنسية شكلت طوق نجاة من مطحنة سبتمبر (أيلول) التي بالغ الفلسطينيون في وصفها بالاستحقاق، حيث لا بد أن يشكل مؤتمر تموز الفرنسي، لو عقد، فاصلا سياسيا ذا شأن يجعل من الذهاب إلى الأمم المتحدة ضربا من ضروب التعقيد المتعمد، والإحباط المقصود للجهد الدولي الذي ستكون واجهته فرنسا، ووراءها بالتأكيد دعم أميركي وتوافق أوروبي دولي.

مؤتمر باريس العتيد، سيكون شبيها بمؤتمر أنابوليس، حين نظم احتشاد دولي واسع النطاق في الأيام الأخيرة لولاية الرئيس بوش، وكاد يصبح دوريا حين رغبت موسكو باستضافته، إلا أن العواصف العاتية التي اجتاحت المسار الفلسطيني الإسرائيلي جعلت هذا المؤتمر مجرد حلم مستحيل، وحتى لو عقد مجاملة لعضوية روسيا في الرباعية، ومكافأة لها على تعاونها الوثيق مع زميلاتها، إلا أنه سيكون بالمحصلة تكرارا لأنابوليس، أي مجرد تظاهرة تعلن أنه ما زال هنالك شيء اسمه عملية سلام في الشرق الأوسط، ولم يحن الوقت بعد لنعيها وإعلان وفاتها.

غير أن ما يميز مؤتمر باريس، عن فكرة مؤتمر أنابوليس وموسكو، هو المناخ الجديد الذي ولدت فيه المبادرة الفرنسية، وأهم مقوماته ما يلي:

أولا: دعم أميركي مفترض، إذ إن الرئيس أوباما الذي اكتفى بنطق مفردة 67 لتكون كلمة السر في جهد أميركي أوروبي مشترك، سيستفيد كثيرا من تصدر فرنسا للجهد خلال الفترة المقبلة، إذ لن يضع يده في جوف عش الدبابير وسينأى بنفسه وباحتمالات رئاسته الثانية عن صدام مهما حاول تجنبه إلا أنه لا بد أن يقع مع نتنياهو ومنطقيا مع كل داعميه والمتاجرين به في الكونغرس وذلك يعني الدخول في معركة من شأنها زيادة الخطر على فرصه في الانتخابات المقبلة وهو في غنى عن خطر من هذا النوع.

وثانيا: فإن مؤتمر باريس العتيد، يحمل في مجرياته وحيثياته فرصة شبه مضمونة لإنهاء المخاوف الدولية حول الذهاب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، وهي مخاوف مضاعفة سببها خروج السيناريو الشرق أوسطي عن مساره التقليدي، أي المفاوضات المباشرة، وكذلك اضطرار إسرائيل ومن تستطيع تجنيده معها إلى الإتيان بردود فعل قد تؤدي إلى تقويض عملية السلام أو بقاياها على نحو يفتح الأبواب واسعة لاحتمالات خطرة في المنطقة ككل.

وثالثا: أن مؤتمر باريس ربما يوفر السلم السحري الذي قال محمود عباس إن أوباما سحبه كي لا ينزل عن الشجرة العالية، إن مؤتمرا فيه توافق أوروبي أميركي روسي أممي، ربما يكون كافيا لتغطية الانعطافة الفلسطينية نحو المفاوضات، حتى لو لم تحظَ هذه الانعطافة بغطاء إسرائيلي مثل وقف الاستيطان ولو بصورة مؤقتة.

غير أن هنالك مسألة ربما تحتاج إلى دراسة أكثر تمهلا وعمقا، فحين يسارع الفلسطينيون إلى الموافقة ويعتبرون أن المرجعيات التي حددها أوباما هي ما يستحق أن تبنى عليه العودة إلى المفاوضات فإن أوباما منح إسرائيل مرجعيات جديدة على الفلسطينيين التدقيق فيها وضمان عدم تأثر موقفهم بل ورصيدهم بها، فأوباما عرض بأكثر التعابير صراحة وتحديدا فكرة اعترافه بيهودية الدولة العبرية وهي فكرة قد يعتبرها الإسرائيليون إحدى المرجعيات وساعتئذ لا أحد يعرف كيف يمكن أن يتجاوز الفلسطينيون هذه المرجعية الجديدة.

في كل الأحوال نجح آلان جوبيه في تسويق فكرة مؤتمر تموز لدى الأطراف التي لا تملك إلا أن تشتريها وأبرزها الطرف الفلسطيني والعربي، أما الطرف الإسرائيلي، الذي يجيد لعبة الابتزاز حتى في البديهيات، فلننتظر رأيه الرسمي الذي ربما يطوق المبادرة الفرنسية بالعديد من الشروط القاسية، فإن قبلها الفلسطينيون خسروا معظم ما بأيديهم وإن رفضوها فمن يعرف رد الفعل الدولي على هذا الرفض، وكل ذلك مرتبط بكلمة سر، هي في يد نتنياهو، هل سيفعل في هذا المؤتمر المقترح ما فعله سلفه شارون مع خطة خارطة الطريق، حيث وافق عليها ولكن مع ثلاثة عشر تحفظا أفرغت الخطة كلها من محتواها؟ لننتظر ونر.