ما الذي يحدث في الطقس؟

TT

أصبحت الشمس غريبة بعض الشيء في الآونة الأخيرة، ففي عامي 2008 و2009، كان النشاط السطحي للشمس هو الأقل خلال المائة عام الماضية تقريبا، حيث توقف النشاط الشمسي المتوهج ومرت الأسابيع والشهور دون أي بقع شمسية أو مناطق مغناطيسية شديدة. وعلى الرغم من أن النوبات الهادئة تعد من الظواهر الطبيعية بالنسبة للشمس، فإن الباحثين الموجودين على قيد الحياة اليوم لم يروا قط شيئا مثل هذا السبات المستمر منذ عامين.

وتقترب الشمس الآن من ذروة دورتها المغناطيسية، وهي الفترة التي تصبح خلالها العواصف الشمسية أكثر احتمالا على الإطلاق – وهي عبارة عن انفجارات السحب المغناطيسية المشحونة كهربائيا – ولهذا لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سوف يحدث في الشمس. هل يستمر النشاط الشمسي في التباطؤ، أم تحتدم العواصف الشمسية؟

لحسن الحظ، يولي صانعو السياسات اهتماما بطقس الفضاء، ففي أواخر الشهر الماضي، أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أن دولتيهما ستعملان معا على خلق «نظام إنذار عالمي ومتكامل بشأن طقس الفضاء». وفي الأسبوع الماضي، تعهدت منظمة الأمم المتحدة بتحديث خطتها بشأن الطقس في الفضاء.

ولكن معظم الناس لم يسمعوا قط عن طقس الفضاء، وهو ما يمثل مشكلة لأن النشاط الشمسي، سواء المرتفع أو المنخفض، له آثار خطيرة على الحياة على كوكب الأرض.

ويعتمد مجتمعنا المعاصر على مجموعة متنوعة من التقنيات سريعة التأثر بالتحولات المتطرفة في الطقس الفضائي. وتنتج الانفجارات الهائلة على سطح الشمس عواصف شمسية ذات مغناطيسية وإشعاع شديدين. ويمكن لهذه الأحداث تعطيل شبكات الكهرباء وإشارات السكك الحديدية والمسح المغناطيسي وأعمال التنقيب عن النفط والغاز. كما تزيد العواصف المغناطيسية من الحرارة في الغلاف الجوي العلوي، مما يؤدي إلى تغيير في كثافته وتكوينه وتعطيل الاتصالات اللاسلكية ونظم الـ«جي بي إس» للملاحة. ويمكن أن تكون الجسيمات المشحونة الناجمة عن العواصف مصدر خطر على صحة رواد الفضاء والمسافرين على متن رحلات جوية على ارتفاعات شاهقة.

يذكر أن العواصف الشديدة تسببت في انقطاع التيار الكهربائي في كندا والسويد في أعوام 1989 و2003. وفي عام 1859، أدت عاصفة شمسية شديدة إلى اندلاع حرائق في مكاتب التلغراف. ويتوقع حدوث مثل هذه العواصف كل مائة عام أو نحو ذلك. ووفقا لتقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم في عام 2008، يمكن أن تتسبب العاصفة الشمسية التي تحدث مرة واحدة كل قرن في حدوث أضرار مالية تكافئ ما يحدثه 20 إعصار بقوة إعصار كاترينا.

ويتسبب الهدوء الشمسي في حدوث بعض المشكلات، فخلال فترة الهدوء الشمسي المستمرة منذ عامين، أصبح الغلاف الجوي العلوي، الذي عادة ما يكون ساخنا بفعل أشعة الشمس فوق البنفسجية المرتفعة، أكثر برودة وانكماشا. وأدى هذا إلى تغيير انتشار إشارات الـ«جي بي إس» وتباطؤ معدل تحلل الحطام الفضائي في المدار الأرضي المنخفض. وبالإضافة إلى ذلك، ارتفعت شدة الأشعة الكونية - التي عادة ما يتم دفعها إلى حافة النظام الشمسي بسبب الانفجارات الشمسية - حول الأرض، مما يهدد رواد الفضاء والأقمار الصناعية التي يوجد بها مستويات عالية من الإشعاع بشكل غير عادي.

وكلما زادت معرفتنا عن النشاط الشمسي، تمكنا من حماية أنفسنا بشكل أفضل. وتحاط الشمس بأسطول من المركبات الفضائية التي يمكن أن ترى تشكيل البقع الشمسية والانفجارات والعواصف الشمسية قبل أن تصطدم بالأرض بنحو 30 دقيقة. ووضعت وكالة «ناسا» ومؤسسة العلوم الوطنية نماذج متطورة للتنبؤ بالمكان الذي ستذهب إليه العواصف الشمسية بمجرد مغادرتها للشمس، وتشبه هذه النماذج برامج دائرة الأرصاد الجوية الوطنية التي تتابع الأعاصير على الأرض. وبفضل هذه البرامج التي تحرسنا، فإنه من الصعب على الشمس أن تأخذنا على حين غرة.

وفي حالة انطلاق إنذار، يجب على محاور خدمة الإنترنت ومراكز الاتصالات والمؤسسات المالية أن تستعد للعطل الذي سيصيبها، كما يجب على محطات توليد الكهرباء أن تقوم بفصل المحولات.

ولكن ما هي فائدة تنبيهات طقس الفضاء إذا كان الناس لا يفهمونها ولن يتفاعلوا معها؟ إذا كان ينبغي على فئة معينة أن تكون على دراية بمخاطر الطقس الفضائي، فالأحرى أن تكون هذه الفئة هي الطيارين. المعروف أنه أثناء العواصف الشمسية، يتم تحويل الرحلات الجوية بشكل روتيني، وذلك لأنه يمكن للعواصف أن تحدث خللا في معدات الاتصالات الموجودة في الطائرات. ويروي خبير في التنبؤ بالأرصاد الجوية في الفضاء ويعمل في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي قصة محادثة أجراها مع طيار ودارت على النحو التالي:

الطيار: ما هي وظيفتك؟

الخبير: أتنبأ بالطقس الفضائي.

الطيار: حقا؟ ماذا يعني ذلك؟

تهدف هذه القصة إلى تسليط الضوء على أنه يتعين على الأوساط العلمية والحكومية رفع مستوى الوعي بشأن الطقس الفضائي وآثاره.

وعندما تنتهي الشمس من هذا السبات، يكون التعاون عبر المحيط الأطلسي قد بدأ في الوقت المناسب تماما. دعونا نأمل أن تكون هذه ليست سوى بداية لجهد عالمي للتنبؤ وفهم طقس الفضاء.

* مادهوليكا غوهاثاكورتا متخصصة في مجال الفيزياء الشمسية في وكالة «ناسا». ودانيال بيكر مدير مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء في جامعة كولورادو.

* خدمة «نيويورك تايمز»