صالح.. هل يصالح؟

TT

اليمن بلاد غنية بأهلها، وفقيرة بخيال نخبتها.. هذه النخب التي منذ أن أزاحت أسرة حميد الدين عن الحكم في أوائل الستينات من القرن الماضي، توقا إلى بناء بلد حديث ومتطور، وقعت مباشرة في فخ العسكر، كمثيلاتها من الدول العربية الشبيهة التي اعتمدت ظاهرا على الجمهرة، (من الجمهورية) وهي في الحقيقة كرست العسكرة (حكم العسكر). وبين الجمهرة والعسكرة فارق كبير في الشكل وفي المضمون وفي الإنجاز. ستة رؤساء جمهوريات تعاقبوا على الحكم في اليمن منذ الثورة، أربعة منهم عسكر، وواحد من المدنيين الاثنين (عبد الكريم العرشي) كان رئيسا مؤقتا.

وفي تاريخ العرب المعاصر، العسكر لا يخرجون من الحكم - في الغالب - إلا بطريقتين: الموت، أو القتل. اليمن مرة واحدة استفادت من النفي في ما حدث للمرحوم عبد الله السلال، أما باقي العسكر فقد تناولهم القتل، كإبراهيم الحمدي وأحمد حسين الغشمي. علي صالح يبدو أن لديه - حتى الآن - فرصة أفضل في الخروج، ولو أنه في الحادث الأخير كان قريبا من إحدى النتيجتين القاصمتين للعسكريين قبله.

هل يستطيع كاتب أن يتنبأ بما سوف يكون عليه مستقبل علي صالح اليوم؟ إن ذلك صعب، ولكن إن استخدمنا القياس، وشواهده كثيرة، فإن أي حاكم يفقد كرسيه مؤقتا، في الغالب الأعم، لا يعود إليه! وهذا ما أتوقعه في اليمن وما سوف يصبح عليه مستقبل علي صالح.

الحراك في اليمن، مثل الحراك في بلدان عربية أخرى في الأشهر الأخيرة.. كثيرون يعرفون ما لا يريدون، ففي هذا الحال اليمني فإن حكم علي عبد الله صالح هو المعترَض عليه، أما عند السؤال: ماذا يريدون؟ فإن ما يريدون على وجه التحديد غامض وملتبس، وقد يعبث فيه السياسيون التقليديون، أما إذا طورنا السؤال وقلنا: ماذا يستطيعون فعله في اليمن بعد إقفال الطريق على علي عبد الله صالح في العودة؟ فإن الإجابة ربما تكون جاهزة.. بناء دولة مدنية حديثة، وهذا التصور أقرب إلى التمني منه إلى الحقيقة.

القوى اليمنية تتوزع على قوى فاعلة هي القبلية، وأخرى سياسية متشرذمة تسمي نفسها أحزاب «اللقاء المشترك»، كان يجب عليها أن تزيد: «..المشترك على رفض بقاء علي صالح» والمختلف بعد ذلك على كل شيء. كما أن هناك قوى مناطقية، مثل الحراك الجنوبي، أو المطالبين بكونفدرالية يمنية، أي إن مضامين الخلاف السياسي سوف تبقى حتى لو خرج علي صالح من السلطة.

إذا طالت المأساة انقلبت إلى ملهاة، ويبدو أن الإخوة في اليمن مقدمون على الثانية، فها هو الاقتصاد اليمني يغرق أكثر وأكثر في تضخم غير مسبوق، قد يجعل من العملة اليمنية عملة ورقية، حتى يحتاج البعض في حال شراء صندوق خضراوات، إلى مبادلته بصندوق مثله من العملة اليمنية، وتهمل الزراعة اليمنية بسبب انشغال كثير من اليمينين بالمسيرات والتدفق إلى المدن، كما يصعب التدهور الاقتصادي على اقتصاد اليمن في المستقبل الاندماج المرجو مع اقتصاد دول الخليج. من جهة أخرى، فإن الوضع الاستراتيجي لليمن معرض للاهتزاز، بل والاختراق؛ فالسلطة المركزية وقد انشغلت بداخلها، هيأت للقوى المختلفة، ومنها قوى منظمة وغير منظمة، أن تستبيح أمن اليمن الذي هو قابل للتشرذم.

الأسبوع الماضي كانت الأخبار اليمنية لا تخرج عن احتمالين: صالح سوف يعود، أو صالح لن يعود. الاحتمال الثاني أقرب، ولكن ماذا لو حدث الاحتمال الأول، العودة؟ واضح من المعطيات على الأرض أن اليمن وقتها سوف يدخل نفق الحرب الأهلية؛ إما مستمرة أو متقطعة. في حال عدم العودة، فإن اليمن لن يتعافى بسرعة، أمامه سنوات كي يصبح معافى مما جرى ويجري الآن. ليس كل ما جرى سلبيا.. هناك قوى الشباب اليمني التي يمكن، لو تم تنظيمها بشكل جاد وحثيث، أن تقدم مستقبلا أفضل لليمن. مشاركة المرأة اليمنية في الحراك الأخير.. في الميادين والشوارع وفي وسائل الاتصال الحديثة، تنبئ عن ظهور وجه آخر للمرأة اليمنية وخروج عن المألوف، وهناك أيضا تراجع عن حديث مطالب الانفصال لجنوب اليمن عن شماله، وهذه أيضا إيجابية حتى لو بقيت في إطار تحسين العلاقة بين المركز في صنعاء والأطراف، خاصة أنه في الجنوب مطلب قائم.. وربما الأهم من كل ذلك، هو الخروج النهائي للعسكر من حكم اليمن وتحوله إلى الحكم المدني. المفارقة أن علي صالح قد أنجز إصلاحات مؤسسية في سني حكمه الطويلة، والمفارقة الأكثر أنه وقع ضحية بشكل ما لتلك الإنجازات، فهل يكمل الطريق ويصالح، ليترك اليمن يقرر المصير الذي يختار!

آخر الكلام:

المشاهد المسرحية الهزلية التي يقدمها من حين لآخر ملك ملوك أفريقيا، القذافي، مستمرة، وهي انعكاس لحالة الرعب النفسي التي يعيشها، والحب الجنوني للسلطة، وهذا يدفع بالمخيلة إلى توقع سيناريوهات مخيفة لنهاية هذا القذافي.. يا ترى إلى أين أخذتكم مخيلتكم؟