في انتظار خطاب الأسد الرابع

TT

خروج المظاهرات المعارضة في أكثر من مدينة سورية بما فيها أحياء في دمشق ورد الفعل الغاضب للمعارضة بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة دمشق والذي استغرق 70 دقيقة يعني أن الرسالة التي أراد توجيهها بأنه سيقود عملية الإصلاح في سوريا لم تصل، أو أن الناس لا تصدق.

هذا هو الخطاب الثالث منذ نشوب الاحتجاجات التي دخلت شهرها الرابع وتطالب بالحرية والكرامة وووجهت بعملية قمع شديدة دموية سقط فيها نحو 1400 قتيل بخلاف عشرات الآلاف من النازحين.

وهو ليس مثل بيانات أو خطابات الأزمات التي يجب أن تكون قصيرة واضحة محددة بإجراءات وبرامج زمنية تطمئن الناس، لكن هناك إشارات من نوع لا عودة إلى الوراء وهو نفس كلام المعارضة وإن كان بمفهوم مختلف وحوار وطني قد يقود إلى تعديل الدستور أو حتى دستور جديد وحوار وطني وقانون أحزاب جديد قد يلغي سيطرة حزب البعث على الدولة، والأهم إشارة إلى قيادة عملية الإصلاح وهي موجهة أساسا إلى واشنطن التي دعته إلى قيادة الإصلاح أو التنحي.

لكن هذه الإشارات غلفت بضبابية حول أسئلة من نوع متى وكيف؟ ومن الذي سيدخل هذا الحوار الوطني؟ فضلا عن أنه رغم الاعتراف ضمنيا بأن الاحتجاجات لها مطالب شرعية، فإن تقسيم الانتفاضة إلى 3 مكونات هم أصحاب الحاجات والمطلوبون للعدالة ثم أصحاب الفكر المتطرف يطرح شكوكا حول جدية النظام في الإصلاح واستمرار الحديث عن العصابات المسلحة في حين أن روايات الأهالي تتحدث عن أن هذه العصابات هي ما يسمى بالشبيحة الموالين للنظام.

مشكلة النظام في سوريا أنه في مفاصله الرئيسية لا يزال أسير فكر تجاوزه العالم يعود إلى فترة الحرب الباردة.. الحزب الواحد الملتحف بأيديولوجية تآكلت في واقع الأمر ولم يعد لها وجود في العالم، فلو سألنا أحدا في سن بين 20 و40 عاما الآن: ماذا يعني البعث فكريا؟ لن يعرف الجواب، بينما الشواهد على الأرض تشير إلى أنه لم يعد سوى جماعة مصالح ونفوذ تستند في قبضتها على النظام إلى القوة الأمنية والتحالف مع جماعات مصالح في قطاع الأعمال تستفيد من نفوذ السلطة.

لقد بدأ السوريون انتفاضاتهم متشجعين بما حدث في تونس ثم مصر وليبيا، ووقتها اعتبر النظام في سوريا أن الشعب في مصر وتونس قال كلمته مرحبا بالتغيير هناك، ولم يستطع أن يرى العاصفة التي ستنتقل إليه من هناك، فالناس ملت الحكم الفردي المطلق الذي لا حساب له ويريدون أن يشعروا بكرامتهم وبحرية التعبير مثلهم مثل جيرانهم في تركيا التي سافروا إليها في السنوات الأخيرة بعد الانفتاح بين البلدين ورأوا أن هناك طريقة أخرى للعيش وممارسة الحياة السياسية.

وبداية الحل السياسي أو المدخل لمعالجة أزمة الثقة بين الناس والنظام في سوريا هي اعتراف القيادة هناك بأن السوريين قالوا كلمتهم ودفعوا ولا يزالون يدفعون ثمنها من دمائهم بشجاعة، وبالتالي فإن التغيير أو الإصلاح يجب أن يكون واضحا وسريعا وعلى مقاس طموح الناس الذين وصلوا في شعاراتهم إلى مرحلة إسقاط النظام والثمن الذي دفعوه.

لذلك لا يبدو أن الانتفاضة ستتوقف بعد الخطاب الثالث، فالشارع المحتج تجاوز سقف مطالبه ما هو مطروح، ولديه أزمة ثقة تعمقت مع القمع العنيف الذي أدانه العالم، وحتى الأسد لم يكن واثقا في خطابه من تهدئة الأوضاع بتلميحه إلى أزمة تستمر شهورا أو سنوات.

هذا يعني أنه سيكون هناك خطاب رابع للأسد ما لم تحدث مفاجأة تقلب الأوضاع، والمؤمل أن يكون فيه إقرار بأن السوريين هم أيضا قالوا كلمتهم.