عام لقاء أنديرا

TT

قابلت أنديرا غاندي مرة واحدة في حياتي، وكان ذلك في مطار بيروت، الذي كان محطة الترانزيت بين آسيا وأوروبا. عدت من اللقاء العابر إلى «النهار» بمقابلة قصيرة، تصدرت يومها الصفحة الأولى. وجاءني عرض سريع من الأستاذ غسان تويني: ما رأيك في ترك القسم الخارجي والتفرغ للمقابلات؟ اعتذرت فورا. القسم الخارجي كان مريحا على الرغم من السهر. المقابلات معرضة لسوء الحظ. كان صاحب «النهار»، مثل جميع الكبار، يطلب من الصغار مساعدته في البحث. في المرة التالية طلب مني المساعدة في محاضرة يلقيها في ذكرى غاندي. بعد تلك الأبحاث خرجت متعلقا بتجارب الهند. سواء أكان محررها رجلا شبه عارٍ مخطوف الصوت، أم كانت زعيمتها امرأة مقطبة الجبين، أو عاقدة الحاجبين، كما تغني فيروز، ولكن على جبين نحاسي وليس على الجبين اللجين، أي الأبيض كاللجة في البحر.

منذ ذلك الوقت، أقرأ، في شبه انتظام، كتب السيرة الصادرة عن رجالات الهند (وفي طليعتهم أنديرا) وأتابع الصحف الكبرى في البداية؛ حيث تباع بورقها الفقير ودسمها الفكري، والآن على الإنترنت؛ حيث أصابها وباء الأسترالي مردوخ، رائد التدهور في صحف العالم.

أقرأ مقابلة مع أنديرا عام 1972، العام الذي قابلتها في مطار بيروت وطرحت بضعة أسئلة سطحية تشبه المناسبة والمستقبلين، الذين جلسوا على حافة الكنبة من أجل الصورة. لكن هذه المقابلة تشبه أنديرا وعمقها وتراجيديتها. تقول إن زواجها انهار لأنها كرست الوقت كله لوالدها نهرو، وإن ذلك كان خطأ، ولو تركت رئاسة الوزراء لكرست الوقت كله لعائلتها: «المستقبل لا يخيفني، حتى لو كان مليئا بالصعوبات.. أنا متدربة على تحملها ولا يمكن إبعادها عن حياتنا.. الأفراد سوف يواجهونها دائما، وكذلك الدول، الشيء الوحيد هو أن نتغلب عليها أو أن نتجاوزها أو أن نعتاد على العيش معها. طبعا يجب أن نحارب، ولكن فقط عندما يكون ذلك ممكنا، أما عندما يكون مستحيلا فالأفضل الانحناء أمام التسوية، دون مقاومة ودون تذمر.. ثم أعود ألعب دور الضحية.. لقد تعلمت القبول بأحكام الحياة».

«لا.. العمل لا يتعب الناس.. المتعب هو الضجر.. لكن لا شيء يدوم إلى الأبد.. ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث لي، في المستقبل القريب أو البعيد. كيف أصف حياتي الزوجية؟ حسنا. لقد أشيع أنني طلقت زوجي.. هذا غير صحيح.. بقيت زوجته حتى موته.. لكن كم كان صعبا على ذلك الرجل أن يكون نائبا في البرلمان وزوج ابنة نهرو.. سوف يكون ذلك صعبا على أي رجل.. حاولت أن أجمع بين حاجة أبي إليَّ في الأيام الصعبة وواجبي كزوجة.. من المستحيل على أي شخص كان أن يختار رجلا غير نهرو.. نهرو كان الهند.. والحياة الفردية كانت ضئيلة عندي.. السعادة والراحة والسكينة، كان لها مقياس واحد: الهند».