قاضي و«فاضي»

TT

بالإضافة إلى فساد الولاة والقضاة، وردت طرائف لذيذة عن جهالات القضاة وعدم كفاءتهم. قالوا إن المأمون سأل رجلا من أهل حمص عن قاضيهم فأجابه: يا أمير المؤمنين، إن قاضينا لا يفهم، وإذا فهم وهم. جاءه رجل يدعي طلبا على آخر. فاعترف المدعى عليه بالدين. ولكنه قال إنه رجل بسيط يكسب قوته من كراء حماره. وكلما توافر له مال يسدد به الدين فتش عن الدائن ليدفع له فلم يجده فأنفق ما وفره. ثم طلب من القاضي أن يضعه في السجن ليعرف مكانه متى ما يحصل لديه وفر فيقصده ويدفع له دينه بالحق والقسطاس. فحبس القاضي الدائن حتى يحصل المدين ما يكفي لتسديد دينه!

من مشاكل القضاء أن القاضي لا يحال إلى التقاعد ويبقى في منصبه حتى موته لضمان استقلاليته فلا يهدد بالتقاعد. وهذا ما شكا منه الكثير من الغربيين حتى في أيامنا هذه. فما يحدث هو أن القاضي لا يختلط بالناس حرصا على نزاهته واستقلاله. وبمرور السنين ودخول الشيخوخة، يصبح منعزلا عن المجتمع، جاهلا بما يجري فيه من التطورات وما يفكر به الناس. كما أن للشيخوخة أثرها على دماغه وذاكرته. التفت العرب لذلك فقالوا إن امرأة تقدمت لقاض بدعوى فسألها. أجامعك شهودك؟

فسكتت، فقال كاتبه لها: إن القاضي يسألك، أجاء معك شهودك؟

فقالت: نعم. هلا قلت مثل ما قاله كاتبك. لقد كبر سنك، وقل عقلك، وعظمت لحيتك حتى غطت على لبك. ما رأيت ميتا يقضي بين الأحياء غيرك!

وعلى أكثر احتمال، فإن هذا القاضي العجوز لم يسمع ما قالته المشتكية أو لم يفهم ما قالت!

لم يكن القضاة يتقاضون راتبا لا في الشرق ولا في الغرب، وإنما على ما يدفعه لهم المتخاصمون. وهو ما كان عليه القاضي سوار بن عبد الله. سأل المدعي: ما صنعتك؟ أجابه «أنا معلم صبيان». فقال القاضي: «إننا لا نجيز شهادة مؤدب صبيان». فسأله: «لماذا؟». فقال: لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرا.

«وأنت يا حضرة القاضي، ألا تأخذ على القضاء بين المسلمين أجرا؟!».

فأجابه سوار: «إني أكرهت على القضاء».

«يا حضرة القاضي، هب أنك أكرهت على القضاء، فهل أكرهت على قبض أجرة عنه؟».

فسكت سوار، ثم قال: «هات شهادتك».

بيد أنني سمعت هذه القصة بصيغة أخرى. رفض القاضي الأخذ بشهادة معلم، وقال له: أنت تقضي نهارك مع الصبيان وليلك مع النسوان، فمن أين يأتيك العقل لتشهد شهادة معقولة؟!

كان الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أول من أسس نظام الشرطة في الإسلام. فألقى أحدهم القبض على مطرب ماجن يحمل زق خمر وجاء به للقاضي بتهمة شرب الخمر. سأله القاضي عن فعلته، فأجابه قائلا: «كنت أحمل هذا الزق فارغا وليس فيه أي أثر من الخمر».

«يا هذا، ولكنك كنت تحمل آلة السكر».

«وأنت يا جناب القاضي، أتهمك بالزنى لأنك تحمل بين رجليك ليلا ونهارا آلة الزنى!».