القطاع المصرفي الأميركي وأهمية زيادة كفاية رأس المال

TT

لرأس المال أهميته، واسمحوا لي أن أطرح الأمر بصورة أخرى: إن المعركة الدائرة على التزامات رأس المال الإضافية داخل القطاع المصرفي تطرح أيضا لحظة الإصلاح الأكثر أهمية منذ اندلاع الأزمة المالية قبل ثلاثة أعوام؛ أكثر أهمية من الجدل الصاخب حول «دود - فرانك»، وأكثر أهمية من السعي الجاري لتنظيم المشتقات، بل حتى أكثر أهمية من المعركة على مكتب الحماية المالية للمستهلك.

لو كانت مصارف استثمارية، مثل «ميريل لنتش»، لديها التزامات رأسمال كافية، ما كانوا ليستطيعوا أن يراكموا ديونا ضخمة بهذا القدر، ولو كانت شركة «إيه آي جي» ملتزمة بأن تقدم رأسمال كافيا في مقابل مقايضات عجز الائتمان، كان محتملا أن لا تجد الحكومة نفسها مضطرة للاستحواذ على الشركة. ولو لم تكن المصارف الكبرى قادرة على تبديد التزامات رأس المال الخاصة بها بهذه السهولة، ربما ما كانت لتحتاج إلى مساعدات إنقاذ من أموال دافعي الضرائب. إذا كان الأمر كذلك لكان احتياطي رأس المال الحقيقي سيساعد المصارف على استيعاب الخسائر بدلا من قيام دافعي الضرائب بذلك. وهذا هو الدور الذي يلعبه رأس المال.

يخفي رأس المال الكافي كمية كبيرة من الأخطاء. ولأنه، بالأساس، يجبر المصارف على استخدام قدر أقل من الديون، فإنه يمكن أيضا أن يمنع ارتكاب بعض الأخطاء من الأساس. ويقول إنات أدماتي، أستاذ التمويل في كلية ستانفورد للأعمال وأحد المناصرين البارزين لالتزامات رأس المال: «لا يوجد طريق يعتمد عليه للتخلص من مساعدات الإنقاذ فيما عدا رأس المال».

ويقول دانيال ألبرت، الشريك الإداري المؤسس لـ«ويستوود كابيتال»: «يمثل رأس المال العلاج الوحيد», وقبل أيام قليلة، كتبت «وول ستريت جورنال» مقالا افتتاحيا يثمن المقترح الأخير من دانيال تارولو، المحافظ بمجلس الاحتياط الفيدرالي، الذي يدعو إلى أن تحتفظ المصارف الكبرى بما يصل إلى 14 في المائة من الأصول في صورة رأسمال. واتفق تماما مع هذا الرأي.

إن هذا المشهد المؤسف كان السبب وراء عقد لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب جلسة استماع، الأسبوع الماضي. وتحت ذريعة فحص ما إذا كانت القواعد المالية الجديدة، بما في ذلك التزام رأس المال المقترح، ستجعل المصارف الأميركية ذات قدرات تنافسية أقل، أمطرت الأغلبية الجمهورية المنظمين الأميركيين لتشريعات المصارف، من بينهم تارولو، بأسئلة متشككة حول مدى الحاجة لالتزامات رأس المال الإضافية، وكان ذلك شيئا محزنا.

وأجدني مضطرا للإشارة إلى أن القواعد الدولية المقترحة - التي يطلقون عليها اسم «بازل الثالثة»، وما زالت محل نقاش منظمين بمختلف أرجاء العالم - ستفرض على المصارف أن تلتزم بالتزام رأسمال نسبته 7 في المائة فقط، وليس 14 في المائة، كما يتحدثون عن رسوم رأسمال إضافية تصل إلى 3 في المائة، على أساس متغير، وذلك على أكبر 30 مؤسسة مالية وأكثرها أهمية بالنسبة للمنظومة، ويعني ذلك أن «جي بي مورغان تشيس»، على سبيل المثال، سيواجه التزامات رأسمال نسبتها 10 في المائة.

وهناك الكثير من الخبراء، من بينهم أدماتي، وأشك في تارولو نفسه، يعتقدون أن هذا لا يزال منخفضا بدرجة كبيرة للغاية.

وقد وافقت لجنة بارزة بالفعل، وبصورة عشوائية نوعا ما، على تقليل تنفيذ هذه الالتزامات حتى عام 2019 (جميل أن لا تواجه مصارف العالم أي مشكلة كبرى من الآن حتى هذا الوقت!)، ولأن قواعد «بازل»، بغض النظر عن شكلها النهائي، يجب أن يقرها منظمون داخل كل دولة على حدة ثم يدخلونها حيز التطبيق، فإنه لا يوجد ضمان بأن كل دولة ستوافق عليها.

ولكن يجب أن تقوم الولايات المتحدة بذلك، بغض النظر عما ستقوم به الدول الأخرى. ودائما ما ترغب المصارف في أن تكون التزامات رأس المال أقل ما يمكن، لأنه كلما قل رأس المال، قلت المخاطرة، ومن ثم زاد قدر المال الذي يحصلون عليه (وارتفعت المكافآت التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون داخل هذه المصارف). ولكن هذا ليس مهما.

إن تحقيق قدر أفضل من الأمان في النظام المالي على حساب بعض الأرباح المصرفية شيء يقبله معظم الأميركيين في الحال.

وفي الواقع، فإن كل رأي تطرحه المصارف الكبرى ومتحدثوهم الرسميون داخل الكونغرس ضد التزامات رأس المال الأعلى دحضها أدماتي وسيمون جونسون، الخبير المصرفي، الذي يمكن العثور على حجته الدامغة في مدونة «إكونوميكس» التابعة لـ«نيويورك تايمز».

ولكن فكرة أنها ستجعل مصارف أميركية ذات قدرة تنافسية أقل في مقابل مصارف أوروبية تستحق قدرا خاصا من السخرية.

من المؤكد أن المصارف الأوروبية حاربت بقوة ضد التزامات رأس المال الأعلى، وفي الواقع فإن ذلك لا يعود إلى رغبتهم في الحصول على ميزة على باقي العالم. ولكن سبب ذلك أن هذه المصارف في وضعية أسوأ كثيرا من المصارف داخل أجزاء أخرى من العالم، ولا يمكنهم تحمل التزامات رأسمال أعلى. وإذا بدأت أوروبا تؤكد على أن تبدأ مصارفها في حيازة قدر كاف من رأس المال لتكوين احتياطي ضد كل الأخطار في أرصدتها - بدءا بالدين اليوناني - ستكون الحقيقة ظاهرة للعيان: سيكون إفلاسهم واضحا فجأة.

وإذا كانت أوروبا ترغب في إدارة ظهرها للوسيلة الأكثر أمنا بهدف زيادة أمن نظامها المالي؛ فلماذا نرغب في القيام بالمثل؟

سيسافر تارولو قريبا إلى بازل، بسويسرا، (نعم، هذا سبب وصفها باتفاقات «بازل») للضغط من أجل أعلى التزامات رأسمال يستطيع أن يجعل باقي العالم يوافق عليها. وسيحاول أيضا أن يقنع واضعي القواعد الدولية بالأهمية الحيوية لفرض رسم إضافي كبير على المصارف الأكثر أهمية من الناحية النظامية. وفي الواقع هناك استجابة واحدة مناسبة: حظ سعيد، يا سيدي!

* خدمة «نيويورك تايمز»