تسلل.. واضح!

TT

ها هو حزب الوفد المصري والمعروف بتوجهاته الليبرالية، يعلن عن عزمه تشكيل فريق لكرة القدم، وذلك للمنافسة على البطولة الكروية المعروفة بالدوري العام. ويأتي هذا الخبر بعد مدة بسيطة من إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن عزمها إطلاق فريق لكرة القدم هي الأخرى، وذلك لنفس الغرض. وطبعا يبدو أن الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها تدرك تماما الأثر الكبير لرياضة كرة القدم على الجماهير وتعميق انتمائها، فالنادي الأهلي في مصر أهم من كل الأحزاب مجتمعة، ويتابعه بجنون ملايين من المصريين أيضا، بزيادة عن كل المنتمين إلى الأحزاب في مصر مجتمعين، بلا أدنى شك. وخلط السياسة بالرياضة ليس بالشيء الجديد، ففي اسكوتلندا ينقسم مشجعو كرة القدم فيها بحسب مذاهبهم الدينية: فيشجع الكاثوليك فيها فريق «سلتيك»، ويشجع البروتستانت فيها فريق الرينجرز، وكذلك الأمر في مدينة ليفربول الإنجليزية العريقة الأسطورة تقول إن «ليفربول» أسس للكاثوليك و«ايفرتون» للبروتستانت.

وحتى في العالم العربي، طالعنا هذا «الخبر» العجيب، فلبنان لكل طائفة فيه فريق: فالسنة لهم «الأنصار» وكانت «النجمة»، وإن كان النادي يقع في منطقة شيعية فيتقاسم عليه المشجعون، ولكن الشيعة لهم «التضامن» من صور، و«العهد» وهو الذي يتبع «حزب الله مباشرة»، والموارنة لهم «الحكمة» المتألق في السلة بشكل كبير، والروم الأرثوذكس لهم نادي «الراسينغ»، والأرمن لهم «الهومنتمن» و«الهومنمن» إرضاء لطائفتي الأرمن بلبنان، وطبعا حتى فئة الدروز لها ناديها وهو «الصفا»، ولكل طائفة وكل حزب له ناد ورموزه ودعمه، فينعكس الانقسام وبقوة في المدرجات. الأردن هو أيضا يعاني الأمرّين في مقابلات الناديين الأكبر في الدوري فيه، فـ«الوحدات» محسوب على المواطنين من أصل فلسطيني، وموقع قوتهم في المخيمات الكبرى المنتشرة بالعاصمة عمان، أما نادي الفيصلي فهو نادي «السكان الأصليين» والمقصود هنا القبائل والعشائر، وتتحول مع شديد الأسف لقاءات الفريقين إلى فواصل لا تنتهي من الشتائم والهجاء، انقلبت إلى عراك مسلح أدى إلى إصابات بالغة في أحد لقاءات الفريقين مؤخرا.

وفي الكويت، يعلم الكويتيون تاريخ التنافس الموجود بين «القادسية» و«العربي» منذ القدم وهو ذو أصول طائفية، فـ«القادسية» عرف أنه فريق السنة والقبيلة، و«العربي» فريق الشيعة والبدون وغيرهم، وطبعا انعكس التنافس وزاد ونقص بحسب الظروف والأسباب. الاتحاد الدولي لكرة القدم المعروف باسم الفيفا، يمنع منعا باتا تأسيس أندية كروية على أساس ديني أو على أساس مناطقي عنصري أو على أساس سياسي، ولكن عبر السنين وُجدت طرق وأساليب وحيل للالتفاف على أنظمة وقوانين الفيفا، وكونت الكثير من الشركات وأصحاب رأس المال من المستثمرين أندية رياضية لغايات سياسية ودينية في بعض الأحيان. صدام حسين كان يوظف الرياضة وكرة القدم تحديدا لتمجيد حكمه، وكذلك الأمر في كوبا وكوريا الشمالية.

ولكن لجوء الأحزاب السياسية بشكل علني للدخول في كرة القدم، هو «اللعب» على عواطف الناس واستغلال ضعفهم الشديد تجاه مسألة بسيطة ومحببة لهم، وهي قد تكون دليلا على ضعف البرنامج السياسي لهذه الأحزاب وقناعتها بأنها لن تستطيع الوصول للعدد الكافي المطلوب من الناس للحصول على الصوت اللازم لإحداث التغيير المطلوب وتفعيل الرؤية السياسية لهم. مشكلة العالم العربي الكبرى أنه تربة خصبة جدا للتفرقة والعنصرية والقبلية والتشدد، لأن هناك الكثير من لا يزال يعتقد أهمية وضرورة الاعتزاز والافتخار بكل هذه الأشكال من العضوية لما هو «مختلف». الدين والوطن فقط هما ما يحتاج الإنسان أن يعتز بالانضمام له، ليس الطائفة ولا المذهب ولا المنطقة ولا المدينة، لأن هذه مداخل فتنة عظيمة، ولا حل قابل للقياس لها، فسيكون الجدل البيزنطي مستمرا في هكذا تفاهات وهكذا جدل. المجتمع المدني له شروطه ومعاييره، وإبعاد عناصر التشدد عنه مطلوب، مهما زينت برياضة وشعر ودين وسياسة فستظل مقبضة ومقززة.

[email protected]