بنوك أميركا توظف سياسة الاحتياط الفيدرالي للمخاطرة أكثر في سوق المشتقات

TT

يعد التطور الأكثر وضوحا في القطاع المصرفي اليوم هو الجرأة التي يتمتع بها المديرون التنفيذيون على الرغم من أن أعمالهم تزداد سوءا. ومن الواضح أن الاقتصاد أضعف مما كان متوقعا، مع هبوط أسعار العقارات في جميع أنحاء العالم، وهو ما أدى إلى تآكل قيمة الأصول المصرفية. ومع ذلك، هناك حالة ترقب بين المنظمين في واشنطن، حيث إن المصرفيين وجماعات الضغط تتصدى للوائح التي تم وضعها بعد الأزمة، حتى إنهم قاموا بإدانة القواعد الجديدة بشكل علني.

وفي محادثة تمت تغطيتها بشكل جيد من الناحية الإعلامية، تحدى جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورغان تشيس»، بن برنانكي، رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي، بشأن تكاليف وفوائد قانون «دود فرانك» لإصلاح القطاع المالي. وتم الاهتمام بصورة أكبر بالجرأة التي أظهرها ديمون، لكن رد فعل مسؤول أقوى المؤسسات المصرفية في العالم كان أكثر إثارة للقلق، حيث انحنى برنانكي واعتذر من دون الحديث عن التكاليف الهائلة للأزمة التي قادتنا البنوك إليها. لذلك تعد هذه مناسبة طيبة للعودة خطوة إلى الوراء لفهم مستوى أداء البنوك اليوم.

وتقوم الحكومة الفيدرالية، بطرق صريحة وضمنية على حد سواء، بدعم وحماية الصناعة المصرفية بشكل قوي. ويتمتع هذا الدعم بقوة كبيرة اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وهو ما جعل ديمون واحدا من أكثر الشخصيات المدللة في الولايات المتحدة وليس شخصية رأسمالية كبيرة في جزيرة مانهاتن. وتم تأسيس هذه الحماية بشكل جيد حتى أصبحنا لا نلاحظها إلا بشق الأنفس، وتقوم الحكومة بالإشراف على الأنشطة المصرفية وضمان الودائع. وعندما يسير الناس في اتجاه أحد البنوك، فإنهم يفترضون أنها تتمتع بالأمان مثلها مثل السوبر ماركت في المناطق المحلية. وتعد البنوك هي الآلية التي نعبر من خلالها عن السياسة الاقتصادية، خاصة أنه قد تم القضاء على الحوافز المالية كخيار، وكانت النتيجة هي قيام الحكومة بدفع «رسوم» للبنوك من أجل تحقيق أهداف سياستها.

وعندما يقوم مصرف الاحتياط الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة للمساعدة في دعم الاقتصاد خلال فترة التباطؤ، تكون البنوك هي المستفيد الأول. وعندما يقوم المصرف بتخفيض أسعار الفائدة قصيرة الأجل، تقوم البنوك بالاقتراض بفائدة أرخص لتقدم القروض بفائدة أكثر بكثير، مما يجعل أي قروض جديدة مربحة للغاية (على افتراض أن البنوك تقدم قروضا جيدة في الأساس). وهذه هي السياسة النقدية الكلاسيكية والتي تحظى بمساندة عالمية تقريبا، لكن دعونا لا ندعي أنها ليست نعمة أو هبة للبنوك.

ويعتقد البعض أن دعم ثروات البنوك هو الهدف الرئيسي وليس مجرد تأثير جانبي. وقال هربرت أليسون الابن، وهو مصرفي استثماري سابق كتب ورقة تسمى «فوضى البنوك العملاقة»: «لا يريد مصرف الاحتياطي الفيدرالي تحفيز الاقتصاد فقط، لكنه أيضا يريد إعادة رسملة البنوك، وهذا أسلوب سري للقيام بذلك. إن السبب وراء عدم قيام البنوك بالمزيد من عمليات الإقراض هو أنها ما زال لديها الكثير من الأصول المتعثرة».

بعد ذلك، تأتي الإعانات الحكومية وإجراءات الوقاية الأكثر براعة. انظر إلى قدرة المنظمين على التحمل.. في 2009، أعطى المنظمون للبنوك منحة على قروضهم العقارية التجارية، فقد سمحوا للبنوك بالبحث في الأساس في ما إذا كانت قيمة القروض تتوافق مع أسعار السوق الحالية أم لا، وليس في ما إذا كانت القيمة الأساسية للعقار قد هبطت. بالقطع، نظرا لانهيار قيمة العقارات، فقد أدى هذا لحماية البنوك من خطر انهيار القيمة الدفترية للأصول. ويرى كل من البنوك والمنظمين أن هذا أمر مبرر نظرا لأن أي مقترض بأسعار البورصة ليس بالضرورة أن يعجز عن السداد. حقيقة، من الصعب أن نرى عدم تأثر مثل هؤلاء المقرضين بالانهيار في ضمانات قروضهم.

وتبدو العقارات التجارية هي المجال الأقل تأثرا بهذا، فالحكومة تدعم سوق الإسكان بشكل كبير أيضا. وقلما يعطي بنك الآن أي قرض غير مضمون من قبل مؤسسة «فاني ماي» أو مؤسسة «فريدي ماك» أو إدارة الإسكان الفيدرالية. ولا تجري أي عمليات رهن عقاري ثانوية خارج نطاق إدارة الإسكان الفيدرالية. وحينما تمنح البنوك رهونات عقارية وتحول خطر الائتمان للحكومة، تحقق أرباحا سريعة مضمونة.

ويتمثل التأثير الأول لهذه السياسات، بغض النظر عن النتائج المترتبة عليها، في دعم سوق الإسكان. غير أنها تمد يد العون أيضا للبنوك التي تملك تريليونات الدولارات في صورة أصول عقارية تدعمها الحكومة.

وتتمثل وسيلة أخرى يستطيع من خلالها دافعو الضرائب تدليل البنوك الكبرى في تقديم ضمانات لصفقات المشتقات التي يقومون بها. ويعتبر بنك «جي بي مورغان»، الذي ينظر إليه على نطاق واسع بوصفه آمنا ويدار بشكل جيد، أكبر المنتفعين هنا. فقد امتلك مشتقات قيمتها 79 مليار دولار في الربع الأول من العام. وحتى إن كانت خاضعة لإجراءات وقاية من الخسائر وتدر هامش ربح محدودا، فإنها لا يزال من المنتظر أن تحقق قدرا كبيرا من الأرباح. على الجانب الآخر، لن تبرم المؤسسات المشاركة في عمليات التداول هذه أي عقود أخرى من دون التحقق من أنها تخضع لحماية ضمنية - تأمين من جانب الحكومة.

«لا يمكن لأي شخص عاقل أن يودع مبالغ مالية ضخمة بالطريقة المعتادة نظرا لضخامة محافظ المشتقات»، هذا ما ذكره أمار بهايد، متداول سابق وأستاذ إدارة أعمال بكلية فليتشر. وأضاف «إنه أمر يتعلق برمته بتأمين الودائع والضمان غير المباشر الذي يملكه نظراء (جي بي مورغان)».

عززت إجراءات الحكومة في الأزمة المالية تلك الحقيقة، فقد كان يتم تأمين النظراء والمستثمرين الذين لم تكن لديهم ضمانات من قبل، مثل حاملي الأسهم في سوق المال، في كل خطوة يقومون بها. ولم تنته إجراءات الإنقاذ هذه مطلقا.. قال أليسون «فعليا، أضفينا الطابع القومي على البنوك الكبرى منذ أعوام مضت. لقد منحناها ضمانات بشكل غير مباشر. ولا يزال دافعو الضرائب هم المعرضين للخطر بالأساس في تلك البنوك، وهم لا يحصلون على عائدات مقابل هذا». إذن، عندما يسمع دافعو ضرائب رئيس بنك كبير، مثل جيمي ديمون، يشكو، من المهم أن يضعوا في اعتبارهم أن ادعاءه بأن راتبه مؤلف من عشرة أرقام هو مجرد مجاملة لنا.

* جيسي إيسينغر هو مراسل من «بروبابليكا» وهي غرفة أخبار تنتج صحافة استقصائية تغطي موضوعات رأي عام