اقتراح الدولة الفلسطينية

TT

هل يمكن التوصل إلى توافق فلسطيني - إسرائيلي حول الاقتراح الفلسطيني والعربي، بطرح الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود يونيو (حزيران) 1967 على الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ حتى الآن تبدو المسألة مستحيلة، فالحكومة الإسرائيلية والأميركية وعدد من العواصم الغربية ترفض الاقتراح العربي الذي حاز بالفعل موافقة كثير من دول العالم، حتى تلك التي لا تنتمي إلى الكتلة العربية - الإسلامية في المنظمة الدولية، بل إن فيها عددا من الدول الأوروبية ودول التحالف الغربي بشكل عام. ومع ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي مهم والموقف الأميركي بالغ الأهمية، ولا يمكن تجاهل أي منهما، إلا إذا كان القصد إضافة نقطة أخلاقية وإعلامية وقانونية لا بأس بها، ولكنها في النهاية ومع الوقت تصبح مجرد نقطة إضافية في قاموس طويل من النقاط. الأول مهم، لأنه من دون موافقة إسرائيلية فإن الخطوة العربية لن تزيد كثيرا على ما جرى من قبل، عندما أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، وأيامها كانت في المنفى التونسي، عن قيام الدولة الفلسطينية، وأيامها اعترف بها كثير من الدول، بل إن بعضها رفع التمثيل الدبلوماسي للمنظمة إلى مرتبة السفارة. هذه المرة يبدو الأمر مختلفا، لأن المنظمة عندما تسعى إلى الاعتراف الدولي بالدولة، فإنه يتوفر لها واحد من أهم شروطها: الأرض التي كانت أهم منجزات عملية أوسلو التي وفرت للدولة الفلسطينية معنى حقيقيا. مثل ذلك يمثل فارقا حقيقيا عما سبق، والحصول على قرار دولي بأن هذه الدولة لها الحق في أن تمد حدودها إلى ما كانت عليه الأرض الفلسطينية في عام 1967، هو إضافة تجعل الاعتراف الدولي بأن هذه الأرض محتلة. ولكنها من جانب آخر تعطي الدرس بأن ما حصل عليه الفلسطينيون من نتيجة حقيقية يمكن الإمساك بها، وهي إقامة أول سلطة وطنية فلسطينية على أرض فلسطين، لم يتم إلا بعد التفاوض المباشر مع إسرائيل عبر عملية نضالية طويلة.

والموقف الأميركي في غاية الأهمية، لأنه من دون الولايات المتحدة، فإن الموقف العالمي مهما كان مؤشرا على الشرعية، فإنه لا يعطي نتيجة عملية. صحيح أن الولايات المتحدة تحت قيادة أوباما لم تنجح لا في شن مفاوضات حقيقية، ولا في التغلب على العقبة الرئيسية في طريق المفاوضات، وهي المستوطنات الإسرائيلية والمواقف الإسرائيلية المتعنتة الأخرى، ولكن على الجانب الآخر، فإن الموقف الأميركي التاريخي كان غالبا محبطا للآمال، سواء كان الحكم جمهوريا أو ديمقراطيا، ولكن نتائجه الإيجابية جاءت دائما؛ سواء في كامب ديفيد المصرية - الإسرائيلية، أو وادي عربة الأردنية - الإسرائيلية، أو حتى في عملية أوسلو، كلها من جهد عربي نجح في الوصول إلى الساحة الأميركية في البيت الأبيض والكونغرس.

الجديد في الأمر الذي قد يساعد في التعامل مع ما هو مهم، وما هو مهم للغاية في إسرائيل والولايات المتحدة، هو أن أربعة من الباحثين والمثقفين الإسرائيليين (يوسي ألفر وشلومو غازيت وكوليت أفيتال ومارك هيللر) اقترحوا على الحكومة الإسرائيلية أن تشارك بقية الرأي العام العالمي في الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967، في ما سموه موقفا يكفل الكسب لكلا الطرفين؛ حيث تقوم الدولة الفلسطينية، ويتم الاعتراف بالدولة اليهودية في إسرائيل. الفكرة، كما جاءت في مقال نشرته «نيويورك تايمز» في 25 يونيو 2011 (نشر المقال في «الشرق الأوسط» يوم 29 يونيو 2011 - المحرر)، تجعل الاعتراف الإسرائيلي بالدولة مستندا إلى مفاوضات مقبلة حول قائمة الأعمال المعروفة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي حول القدس والحدود واللاجئين، وغيرها من الأمور. الفارق في هذه المرحلة هو أن المفاوضات لن تجرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإنما بين دولتين قائمتين بالفعل على الأرض، تتفقان من خلال القرار على مفاوضات مباشرة تتم في مناخ يستبعد العنف، والتهديد باستخدامه، مع الانسحاب الإسرائيلي من مناطق دون «الإخلال بأمن إسرائيل». وفي الوقت نفسه، فإن على العالم العربي، من خلال مبادرة السلام العربية، أن يقوم بخلق مناخ مناسب للتفاوض من خلال إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية.

الاقتراح هنا يكفل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يجعل قرار التقسيم واقعا شرعيا يتيح للفلسطينيين البدء في إقامة دولتهم. ومع ذلك، فإن الاقتراح فيه عيوب لا تخطئها عين، حيث يبدو إعلان الدولة ضمن الحدود الحالية، ودون ضمان لحل القضايا الحيوية المعلقة، كما لو كان استجابة لاقتراح نتنياهو، ومن قبله أولمرت، القائم على قيام دولة فلسطينية مؤقتة، وهو ما كان يبدو، على أي حال، النتيجة التي سوف يصل إليها الفلسطينيون لو ساروا في الطريق الأحادي للحصول على الاعتراف بالدولة من المجتمع الدولي.

المسألة هكذا تبدو متساوية، ومع ذلك، فإن الاقتراح الإسرائيلي ربما يفتح بابا للحصول على اعتراف إسرائيل والولايات المتحدة، مع فتح الباب لمفاوضات جادة في الوقت نفسه. فلا يكفي إطلاقا أن نجد في ما تم عرضه من اقتراحات ما بها من عيوب، أو رؤية ما بداخلها من فخ الدولة المؤقتة التي تبقى على حالها إلى الأبد، بينما تتمدد إسرائيل طوال الوقت، خاصة في القدس، وإنما يكون التعامل معها بطرح عربي آخر، يجعل قرار الأمم المتحدة مرتبطا بقائمة أعمال للمفاوضات.

العقبة الرئيسية أمام ذلك كله سوف تظل نتنياهو وحكومته التي لا تقبل بقرار الدولة الفلسطينية، ولا حتى ربما بالدولة الفلسطينية ذاتها، ولا بأي نوع من المفاوضات الجادة. ما يريده نتنياهو هو الزمن الذي يسمح له بالحصول على «الهدوء»، وهو نوع ما من السلام أو الهدنة والتوسع الإسرائيلي في آن واحد. ولكن الغرض الفلسطيني من طرح خيار الاعتراف بالدولة، هو حصار الرجل من خلال المجتمع الدولي، وهي محاولة لا بأس بها، ولكنها لا تستكمل، ولا يكون لها قيمة حقيقية، ما لم تشمل الحصار السياسي داخل إسرائيل والولايات المتحدة أيضا، برد مناسب على ما طرحه الإسرائيليون الأربعة من خلال «نيويورك تايمز».

بالطبع، كل ذلك لن يزيد على كونه حفنة من تراب ما لم يتقدم الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية أخرى وهم جديرون بالدولة، والدولة الكاملة ضمن حدود عام 1967. ذلك لن يتأتى إلا من خلال الوحدة الوطنية أولا، بحيث ينتهي ذلك الانقسام بين غزة والضفة الغربية، وفتح وحماس. يضاف إلى ذلك، استمرار جهود بناء الدولة التي بدأها سلام فياض، والتي عنيت ببناء مؤسسات الدولة المقبلة، حتى يعرف العالم أنه يتعامل مع أمة عقدت العزم على أن تكون دولة بالمعنى الذي يعرفه المجتمع الدولي للدولة المسؤولة، والقادرة، ليس فقط على حماية أمنها وحدودها، وإنما أيضا أمن وحدود الآخرين الذين يجاورونها. ما يقدمه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل ليس مشروع قرار جديد، وإنما عملية سياسية كاملة.