الطيار والرؤساء العرب!

TT

يا لها من مفارقة، فقبل يومين وقع حادث جوي في الأجواء البريطانية بين طائرتين صغيرتين، إحداهما هبطت بسلام، والأخرى توفي قائدها البالغ من العمر 63 عاما، لكن وفاته ليست الخبر، بل إن طريقة وفاته هي الخبر، وفيها تتجلى القيم الإنسانية بأعظم معانيها.

فبحسب الجهات المسؤولة في بريطانيا، فإن الطيار المتوفى فعل المستحيل ليتجنب سقوط طائرته فوق منطقة سكنية، حيث وقع الحادث، ففعل المستحيل ليضمن أن يكون سقوط الطائرة في حقل مفتوح، وليس فيه أحد من البشر، وهذا ما فعله فعلا، لكنه لقي حتفه. تأمل قارئي الكريم هذه القصة وقارنها ببعض الرؤساء العرب الذين لا يتورعون عن قمع وقتل مواطنيهم فقط من أجل البقاء على سدة الحكم. فهذا طيار فعل المستحيل من أجل تجنيب أناس أبرياء كارثة سقوط طائرة على منازلهم، أو مكاتبهم، أو متاجرهم.. فعل الطيار المستحيل وهو يواجه الموت وحيدا، وكان بإمكانه أن يتصرف وفق مقولة شاعرنا «أنا الغريق فما خوفي من البلل»، فالعمر واحد، كما يقال، لكنه أنكر ذاته، حتى وهو يواجه الموت، بينما لدينا من يفعل المستحيل ليبقى حاكما ولو قتل مواطنيه!

لذا، فكم كان مهما ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، أول من أمس، حين أعلن أن موقف بلاده مما يحدث في العالم العربي، بعد الزلزال السياسي، هو أن «المملكة حريصة على عدم التدخل في شؤون الآخرين، لكننا لا نستطيع إلا أن نشعر بالأسى والحزن لسقوط الكثير من الضحايا المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، جراء الأزمات القائمة»، مضيفا «ندعو الجميع إلى تغليب صوت الحكمة والعقل، وعدم إراقة مزيد من الدماء، واللجوء إلى الإصلاحات الجادة». وأضاف الأمير سعود الفيصل «ندعو الجميع إلى الحكمة والعقل في معالجة الأمور، وتجنب إراقة المزيد من الدماء، واللجوء إلى الإصلاحات الجارية التي تكفل حقوق الإنسان العربي وكرامته». فكلام الفيصل ينطبق من دون شك على ليبيا القذافي، وصالح اليمن، وبكل تأكيد نظام بشار الأسد في سوريا الذي يحاصر حماة اليوم، وكأنه يجهز لتحرير الجولان من المحتل الإسرائيلي!

تصريحات الفيصل مهمة لأنها تأتي من رجل بحجمه، وقبله حجم بلاده. فكما سبق أن قلنا في عدة مقالات، فإن الصمت العربي حول ما يحدث في سوريا بات غير مقبول، سواء من السعودية أو مصر، وبالطبع باقي دول الخليج، والتي إن لم تستطع أن تقول ما قاله الأمير سعود الفيصل، وتحديدا تجاه سوريا، فإننا لا نطالبها بفعل ما فعله الطيار الذي قدم قمة التضحية، والقيم الإنسانية، بل ندعوها إلى الصمت الإيجابي، أي لا زيارات ولا تبرير.

بالطبع من الصعب تبسيط السياسة، وتحويلها إلى أهداف نبيلة، لكن من الواجب احترام دم الإنسان، أي إنسان، خصوصا إذا كان أعزل من السلاح. لذا، فإن السؤال هو: متى يصبح لدينا في جمهورياتنا رؤساء على غرار الطيار البريطاني الذي فعل المستحيل ليموت وحيدا، ومن دون أن يصيب آخرين بالأذى؟

أعتقد أن طريقنا طويل، ويبدأ أولا من احترام المواطن العربي.

[email protected]