إرضاء الغرب وتخويف الداخل

TT

من الطبيعي أن يقرأ كل فريق مقالي السابق عن المصالحة التاريخية المحتملة بين الغرب والحركات الإسلامية العربية وفق هواه، أو وفق فهمه للحدث. يمكن أن تستنتج أن تخويف الغرب بالأصوليين قد يعطيهم مكانة سياسية أفضل، أو أنها مجرد دورة التاريخ، حيث لكل زمان دولة ورجال.

رجحت أن تقبل الحكومات الغربية، وعلى رأسها الأميركية، بالتعامل الآن مع الإسلاميين خاصة في مصر، مما يعني فتح باب أهم الصوامع المغلقة أمام الإخوان المسلمين في الحكم، وهذا تطور تاريخي مهم. ما كتبته يعد تحليلا للحدث، لا تأييدا ولا رفضا له، وهذا ردي على الإخوة الذين اعتبروه تبديلا في موقفي اعتقادا منهم أننا سنغني للإخوان لأنهم صاروا على عتبات قصر الحكم.

أما وجهة نظري فهي أن الإخوان، أو أي حركة سياسية دينية مسيحية أو إسلامية أو غيرها، إن لم تقبل بقواعد الدولة المدنية وتحترمها فلن تلبث طويلا حتى تتحول إلى نظام قمعي آخر مرفوض. فإن تحولت إلى حركة تحترم القواعد الديمقراطية، حينها ستستحق الاحترام، والتحول الإيجابي ليس مستحيلا. وأمام الحركة نموذجان عليها أن تقلد الأنسب لها. الأول، حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، الذي منذ انخراطه في الحلبة السياسية أثبت ديمقراطيته واحترم الحريات واستطاع أن يبني شعبية متنامية في دولة علمانية. النموذج الثاني، النظام الديني الإيراني الذي، وعلى مدى ثلاثة عقود، يحتكر السلطة ويزور الانتخابات ويقمع منافسيه.

الإخوان المسلمون، الجماعة المصرية، عمرها أكثر من ثمانين عاما ومن أقدم من مارس العمل الحزبي والسياسي في العالم العربي. أدبياتها تغيرت كثيرا في مراحل مختلفة، وما زالت الفكرة المعروفة عنها أنها تتبنى خطابا مضادا للدولة المدنية، وإن كانت عدلت قليلا في مواقفها، أو على الأقل في لغتها. أظهرت مرونة سياسية مدهشة. فكما تحدثت في المقال الماضي، الجماعة لبت المتطلبات الغربية الثلاثة حتى تكون مقبولة لها: السلوك السياسي، والعنف، وأمن إسرائيل. لبت أصعبها بتليين موقفها من إسرائيل، حيث امتنع حتى الآن قادة الإخوان عن تهديد أمن إسرائيل، ولم يهددوا بإلغاء كامب ديفيد بخلاف الماضي، معلنين أنهم لا ينوون إلغاء المواثيق الدولية التي وقعها نظاما مبارك والسادات.

أنا أعتقد أن الإخوان يعرفون أنه يستحيل عليهم قيادة الثورة، ولا يملكون من وسيلة للوصول إلى الحكم في مصر إلا ديمقراطيا، أمر لن يعارضه الغرب، وبعدها سنكتشف صدقهم بالالتزام بالنهج الديمقراطي. ورأيي أن الجماعات الإسلامية العربية تريد ركوب الديمقراطية مثل جمل للوصول إلى الحكم، كما فعل الخمينيون في إيران الذين أقصوا حلفاءهم اليساريين والوطنيين وانفردوا بالسلطة.

لكن إن التزمت الحركة بالصيغة الديمقراطية، فإنها ستنقل مصر سياسيا إلى مرحلة متقدمة، على غرار ما يحدث في دول مثل تركيا وماليزيا وبدرجة أقل إندونيسيا. وإن أخفقت فستكون مجرد مرحلة مضطربة أخرى في تاريخ مصر والمنطقة. ولا شك أن جماعة «الإخوان» المصرية لا تشابه كثيرا حزب «العدالة» التركي. فالأتراك أقل تشددا في منهجهم ورؤيتهم الدينية من الحركيين الإسلاميين العرب، كما أن نظام الدولة العلماني في تركيا ينظم العلاقة بين الأحزاب، وقد تربى «العدالة» الإسلامي في مناخ يعطيه كل الحرية السياسية باستثناء حق استخدام الدين في العمل السياسي. أما الإخوانية في مصر فقد أفرطت في استخدام الدين سياسيا لإحراج النظام ومن أجل التكسب الشعبي. ماذا عن الفزاعة الإخوانية التي استخدمها نظام مبارك؟ بالتأكيد مبارك استخدمها لتخويف الغرب لكن أيضا أدبيات الإخوان فيها الكثير يخيف الغرب، بتحالفهم مع إيران وتبريرهم لـ«القاعدة»، وكلها ذخيرة كافية لتخويف الغرب المتوجس من الحركات الأصولية الشرق أوسطية.

هذا في السنوات العشر الماضية. أما الآن، فالإخوان حرصوا على إرضاء الغرب بعدم استفزاز إسرائيل، وطمأنة المسيحيين في الغرب بضم مائة قبطي لحزبهم الإسلامي، والامتناع عن تأييد تنظيم القاعدة. هذا خارجيا، أما داخليا فلم تبد الحركة الكثير من ملامح الاعتدال السياسي، ولا تفعل الكثير لطمأنة قوى المجتمع المدني في بلدها مصر. وها هم ديكة الإخوان يعاركون خصومهم، ويصرون على تقديم انتخابات البرلمان على كتابة الدستور الجديد، حتى يكتب بلغة إقصائية. وها هو أحد زعمائهم يخوف أحد منافسيهم، نجيب ساويرس، ويحرض ضده بدعوى أن موقعا محسوبا عليه نشر كاريكاتيرا مسيئا للإسلام. مبارك سقط منذ أربعة أشهر فقط وهم يستخدمون الدين لتخويف خصومهم وكبت الحريات فكيف لأي حزب مدني التعامل معهم.

وقد نكون مخطئين في فهم التطور التاريخي الذي طرأ على الفكر الإخواني، ومن يدري قد نجدهم أكثر ديمقراطية مما نظن.

[email protected]