أوضاع لبنان خطيرة وأي حرب مذهبية ستصبح حربا إقليمية!

TT

كان واضحا، إلا لمن لا يريد أن يرى، أن زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله كان ينتظر هذه اللحظة وكان يعرف أن الحقيقة ستظهر وأن العدالة ستمسك بخناق مرتكب جريمة اغتيال رفيق الحريري. ولهذا، قد بادر إلى الصخب والصراخ واتهام المحكمة الدولية بأنها إسرائيلية وأميركية وأنها مسيسة وأن الهدف من تشكيلها، بقرار من مجلس الأمن الدولي، هو الإساءة لـ«المقاومة» ومجاهديها وكل هذا بينما لم يكن هناك أي اتهام معلن مباشر لحزبه وكانت الأنظار كلها تتجه نحو سوريا وأجهزتها الأمنية.

هناك مثل يقول: «إن من معدته محشوة بالحمص لا يستطيع أن ينام» وهناك مثل آخر يقول: «يكاد المريب أن يقول خذوني» ولقد اتضح الآن أن موافقة حسن نصر الله على تشكيل هذه المحكمة الدولية، ويومها كان الجرح لا يزال ساخنا، كانت من قبيل كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته، وكانت من أجل إبعاد التهمة عن نفسه وعن حزبه، والمعروف أن القاتل لتفادي الشبهات يبادر إلى الإسراع لتعزية أهل «المرحوم» والوصول إلى مأتمه قبل الآخرين ليمزق ثيابه حزنا وليبكي حتى ينزف الدم من مقلتي عينيه.

كان هذا في البدايات عندما كان المحققون الدوليون ما زالوا في مرحلة البحث عن رأس خيط يأخذهم إلى الحقيقة، لكن بعد ذلك وبعد أن شعر حسن نصر الله بأن الدوائر باتت تدور عليه وعلى حزبه انتقل إلى وضعية الهجوم المعاكس، وقام بتلك الحملة الترويعية التي قام بها في السابع من مايو (أيار) عام 2008 على بيروت الغربية بهدف زرع الخوف في قلوب المطالبين بدم رفيق الحريري ودفعهم إلى الاكتفاء من الغنيمة بالإياب، وهنا فإن ما أصبح معروفا هو أنه، أي حسن نصر الله، قد تمكن من اصطياد وليد جنبلاط الذي بادر وبسرعة إلى نقل البندقية من كتف إلى كتف آخر وسارع إلى الانتقال من دائرة مجموعة الرابع عشر من آذار إلى دائرة الثامن من آذار.

بعد هذا مباشرة كانت هناك مسرحية «شهود الزور» التي كتبت وأعدت في دمشق وجرى تنفيذها على المسرح اللبناني، الذي هو مسرح كل الاشتباكات وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ولقد اعتقد حسن نصر الله أن تحسن العلاقات السعودية - السورية بعد قمة الكويت الاقتصادية سيكون بيئة ملائمة لأن يفرض على سعد الحريري أن يبيع دم أبيه مقابل أن يحتفظ بالسلطة ويبقى رئيسا للوزراء، لكن ثبت أن هذا الاعتقاد كان خاطئا، وأن ثمن دم رفيق الحريري لا يمكن أن يكون أقل من تجريد حزب الله من سلاحه وإنهاء دولة ضاحية بيروت الجنوبية واجتثاث النفوذ الإيراني الذي غدا متجذرا في الجنوب وفي أغلب المناطق اللبنانية.

الآن وبينما الوضع العربي يشهد كل هذه التوترات وينشغل بكل هذه العواصف الهوجاء التي تضرب عددا من الدول العربية، فإن الموقف المتعنت والمتحدي الذي اتخذه حسن نصر الله ضد القرار الاتهامي الصادر من المحكمة الدولية بحق أربعة من كبار قادة حزبه قد زاد الوضع العربي، المعلق من رموش عينيه والذي يعيش حالة قلق غير مسبوقة، ارتباكا ومخاوف وهلعا. فالتهديدات التي أطلقها زعيم حزب الله قد أعادت على اللبنانيين أجواء الحرب الأهلية المدمرة الأخيرة التي دخلت كل مدينة وكل قرية وكل شارع وأيضا كل «زنقة» وفقا لتعبيرات «الأخ قائد الثورة» معمر القذافي.

هناك غيوم حرب مذهبية باتت تتلبد في سماء لبنان، ولعل ما قاله رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة في مؤتمره الصحافي الأخير باسم مجموعة الرابع عشر من مارس، يشير إلى أن المعادلة اللبنانية لم تعد مستعدة للقبول بأسلحة حزب الله وجيوشه ودولته التي باتت أكبر من دولة لبنان، والمؤكد هنا أن ما عزز ثقة هذه المجموعة بنفسها وإمكاناتها أن سوريا باتت تعيش هذه الأوضاع التي تعيشها الآن وأن الرئيس بشار الأسد، الذي كان قد أعلن بعد إخراجه قواته من لبنان في عام 2005 بأنه سيعود إلى هذا البلد بوضع أقوى من الوضع السابق، أصبح في أضعف مراحل حكمه وحكم والده أيضا بسبب اندلاع هذه الثورة الشعبية المتعاظمة.

وبالطبع فإن هناك احتمالا يصل حدود اليقين أن سوريا قد تجد في قرار المحكمة الدولية باتهام أربعة من كبار قادة حزب الله بجريمة قتل رفيق الحريري وأي قرار آخر باتهام بعض المسؤولين السوريين، مبررا للاستعجال بإشعال نيران الفتنة في لبنان وافتعال حرب مذهبية وطائفية جديدة في هذا البلد وتحويل هذه الحرب إلى حرب إقليمية لتصدير أزمتها إلى الخارج لتصبح المنطقة تنشغل بالأوضاع اللبنانية وليصبح الحدث السوري حدثا ثانويا لا يستقطب وسائل الإعلام كما هو عليه الوضع الآن.

لا مخرج للرئيس بشار الأسد إلا بالهروب إلى الأمام ونقل الحدث إلى الخارج بافتعال مواجهة إقليمية ستشارك فيها أكثر من دولة بالتأكيد إن هي حدثت، وبخاصة إذا أدى تصعيد حزب الله المدعوم من قبل إيران أيضا إلى حرب أهلية مذهبية ستكون هذه المرة - وللأسف أيضا - بين السنة والشيعة مما سيجعلها حرب المنطقة كلها.

لا يمكن أن يقول حسن نصر الله هذا الذي قاله، ولا يمكن أن يتحدى الدولة اللبنانية ويتحدى العرب كلهم ويتحدى سنة لبنان على وجه التحديد ومعهم كل الأطراف الأخرى في حركة الرابع عشر من مارس ويعلن أنه لن يسلم المطلوبين من كبار المسؤولين في حزبه «لا في ثلاثين يوما ولا في ثلاثين عاما ولا في ثلاثمائة عام» لو أنه غير مكلف من قبل حليفيه في «فسطاط الممانعة والمقاومة» طهران ودمشق بإشعال نيران الفتنة في هذا البلد لتكون منطلقا لحرب إقليمية ستبعد الأضواء، إن هي اندلعت، عن الحدث السوري الداخلي وستجعل هذا الحدث جزءا من مواجهة أكبر تشمل تركيا وجمهورية إيران الإسلامية وبالطبع سوريا وربما أيضا إسرائيل وبعض الدول العربية.

كانت هناك محاولات يبدو أنها لا تزال مستمرة لاعتبار أن اتهام هؤلاء الأربعة من قادة حزب الله لا يشمل هذا الحزب نفسه ولا يشمل الطائفة الشيعية، التي هي مغلوب على أمرها ومختطفة من قبل حسن نصر الله وحزبه، والتي خضعت لسياسة منهجية حولتها مع الوقت إلى ما يشبه أقلية إيرانية، لكن ما قاله «سيد المقاومة!!» في مجال الرد على هذا الاتهام يعني أن هناك قرارا من قبل تحالف «الممانعة» بالتصعيد وبالمزيد من التصعيد وبإقحام هذا البلد في حرب مذهبية وطائفية جديدة لتتحول وعلى الفور إلى حرب إقليمية تبعد الأضواء عن الحدث السوري الداخلي وتبعد عنه الاهتمام العالمي ليتحول إلى قضية ثانوية وصغيرة.

إنه مأزق.. ليس لحركة الرابع عشر من مارس والطائفة السنية اللبنانية فقط، وإنما أيضا لبعض الدول العربية المعنية. فالسكوت على استفزازات حزب الله وتحدياته والصمت على استحواذه على لبنان كدولة سيزعزع الأسس التي تحكم العمل السياسي في هذا البلد. وبهذا فإن البديل هو التصدي لهذه الاستفزازات، مما سيجعل الحرب الأهلية تحصيل حاصل، المشكلة هنا أن كل هذا يحدث والعرب يعيشون ظروفا استثنائية صعبة فهناك مشكلة ليبيا المستعصية، وهناك حالة عدم الاستقرار التي تعيشها مصر وتعيشها تونس، وهناك الوضع اليمني المربك والمحير، وهناك كل هذا التدخل الإيراني في الشؤون العربية الداخلية.