كل شيء ـ ليل أسود!

TT

الدنيا ليل لا أعرف أوله ولا أعرف آخره.. وأنا أمشي على شارع أسود.. كأنه ليل تمدد على الأرض.. وأنظر إلى السماء فأجدها سوداء.. كأنها سقف أسود تجسد فوق راسي.. لا أرى شيئا.. فلا شيء هناك.. ولا أسمع شيئا فلا صوت هناك.

وإنما صوت قدمي.. أدق بهما الأرض.. وكأن الأرض باب أسود.. وقد تتابعت الدقات دون أن يفتح الباب.. إذن ليس باباً.. فالأبواب لا ندقها بالقدمين.. والأبواب لا نمشي فوقها.. أو لعله باب ولكن لا أحد وراءه.. أو لا أحد تحته.

إذن هذا الباب الملقى تحت قدمي، ليس إلا ظهر سفينة.. سفينة لا تتحرك.. وإنما أنا فوقها أتحرك، بل إنني لا أتحرك، وإنما أتوهم ذلك.. لأنني لا أقترب من شيء، ولا أبتعد عن شيء.

ولكني أجد قطرات الماء تلمع تحت قدمي.. إذن الأرض تحت قدمي.. وأرى قطرات تلمع فوقي.. فالسماء فوق رأسي.

إذن لا أحد غيري أنا والليل..

وكأن الليل حيوان أرهقه الوقوف..أو أضناه الظلام فانهار حولي..

فكل شيء ظلام..

الشارع ليل مظلم.. والليل شارع يتألق.. بل إنني لا أرى نفسي.. إنني أحس بنفسي فقط.. أتحسس ساقي بيدي.. وأتحسس بحذائي يدي.. فأنا أيضا ليل يمشي على ليل.. كلنا ليل.. وقد استطال الليل واستعرض.. فإذا كان الليل فوقي والليل تحتي والليل حولي والليل أنا.. فأين الليل؟ وأين أنا؟

وإذا كان وقع حذائي دليلا على حركتي، وحركتي دليلا على وجودي، فمن أين يبدأ وجودي؟ من حذائي؟ من وقعه؟ من صداه؟!

إنني لست على يقين من أن الصوت الذي أسمعه هو صوت حذائي.. لماذا لا يكون صدى حذاء آخر؟

لماذا لا أكون أنا وحذائي نمشي في مظاهرة طويلة تتردد أصداؤها حولي وفي داخلي.. فلعلي أهتف بحذائي: يعيش.. يسقط..

لماذا لا يكون صداي في مكان آخر؟

وكما أن للصوت صدى.. فالألوان لها صدى أيضا.. فالشارع صدى الليل، أي ظله.. والليل ظل الشارع وصداه.. وعندي أنا تلتقي الأصوات والأصداء والظلال.. وأنا لا أتحرك.. وإنما أقف في «حلق» الليل.. أو كأن الليل طبقتان واحدة فوقي والأخرى تحتي.. وأنا أتحرك بين الطبقتين..

نملة أنا أدب على الليل.. تحت الليل.. قطعة من الليل تزحف عليه.