عبد الحليم حافظ وجماعة الإخوان والسيدة كلينتون

TT

عبد الحليم حافظ، المطرب، ومحمد حمزة، الشاعر الغنائي، رحم الله الجميع، كانا في لندن عندما سأله عبد الحليم: حمزة.. ما معنى جملة قبض الريح؟ لقد قرأتها في مقال ولم أفهم ماذا تعني.

كان من الممكن أن يجيبه حمزة بأنها جزء من مقولة شهيرة للسيد المسيح، باطل الأباطيل، الكل باطل وقبض الريح. غير أنه أراد أن تكون إجابته بسيطة وواضحة فرد عليه: يعني أن تمسك باللاشيء.

فقال عبد الحليم: يعني أبقى ماسك الهوا بإيدي؟

فقال حمزة: بالظبط كده..

قالها وانصرف إلى غرفته في الفندق وبدأ في كتابة أغنية: ماسك الهوا بإيدي..

هذه هي الأغنية التي غناها عبد الحليم حافظ، والتي ستغنيها، عما قريب، السيدة هيلاري كلينتون وفريق العاملين معها في إدارة الشرق الأوسط، وذلك بعد جولات الحوار بينهم وبين جماعة الإخوان المصرية التي أُعلن عنها منذ أيام. من المستحيل أن يخرجوا من الحوار مع الجماعة بشيء محدد أو مفهوم، سيسبحون لجولات طويلة في بحار الغموض واللاجدوى، غير أنهم بالتأكيد سيكتسبون المزيد من المعرفة بآليات التفكير عند جماعات الإسلام السياسي. عضو الجماعة الدينية السياسية يرى أن الغموض فيه رفعة وقوة، وأن الوضوح نوع من الضعف الإنساني. هو معك وضدك في الوقت نفسه، ومع أي فكرة وضدها، وهو كريم إلى الدرجة التي يوافق فيها على بعض أفكارك بشرط أن يضيف إليها تعديلا يلغيها من أساسها، لا توجد لديه قضية حقيقية يريد الانتصار لها، بل يريد أن يشعرك أنت بالهزيمة، وذلك بأن يقودك عبر أطنان الكلمات إلى وضع تكتشف فيه أنك عاجز عن فهمه. وهو لا يفعل ذلك بدافع من غريزة العدوان بل برغبة طفولية عجز عن التخلص منها، وهي ذلك الإحساس اللذيذ القديم الذي يشعر به الطفل عندما يلعب (الغميضة - الاستغماية - And seek hide) وهنا نصل إلى كلمة شهيرة في العامية المصرية تصلح لتشخيص الحالة التي نحن بصددها وهي كلمة «ما يسترش» نقول: فلان «ما يسترش»، كما نستخدم الكلمة نفسها بالنسبة للجماعات والأحزاب والحكومات أحيانا، انعدام الستر هنا يعني العجز عن الالتزام بما يتم الاتفاق عليه مع طرف آخر. عضو الجماعة الدينية السياسية واضح وملتزم فقط مع أعضاء جماعته، أما الآخرون فواجبه أن يكون مسايرا لهم وغامضا معهم، وعندما تظهر علامات على عضو ما تشير إلى أنه سيكون واضحا مع الناس كلهم، سيتخلصون منه على الفور، وأعتقد أن هذا هو ما حدث مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور حبيب، عضو الجماعة في خدمة الجماعة وحدها، وممثل معتمد لأفكار الجماعة وحدها، أما عندما يفكر في أن يعمل من أجل الناس في دائرة أكثر اتساعا فعندها يصبح خطرا عليها. عضو الجماعة الدينية السياسية يخدم سيدين: الأرض والسماء، ورغبته في إرضائهما لا بد أن يترتب عليها أن يركب الكلمات والعهود والوعود ويمشي بها في طريقين متعاكسين. عندما تتواعد معه على اللقاء في لندن في موعد محدد، فتوقع أن تصلك منه بعد الموعد بساعتين مكالمة تليفونية يسألك فيها: لماذا لم تأت في الموعد المحدد يا أخي؟ أنا أنتظرك في استوكهولم.. ماذا تقول يا أخي؟ لندن؟ والله أنا سمعتها استوكهولم.. آسف يا أخي.. ما رأيك في أن نلتقي في بيشاور؟

أما عندما تكون زميلا له في الجماعة، فتأكد أنه سيأتي لك في الموعد المتفق عليه في أي مكان على سطح الأرض.

نقترب الآن من المعركة الدائرة على الأرض الآن في مصر، الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟ أصحاب الدستور أولا يرون أن أي انتخابات مقبلة بعد شهور ستنجح فيها الجماعة بنسبة عالية تمكنهم من تشكيل الحكومة، لذلك يريدون تأجيل الانتخابات، ضاربين عرض الحائط بنتيجة الاستفتاء الماضي، أملا في كسب المزيد من الوقت بأمل أن تتحول دفة الثقافة السائدة في مصر الآن إلى اتجاه يبتعد بسفينة الحكم عن جماعة الإخوان. ورد عليهم الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة الذي أنشأته الجماعة، بقوله: «من يطالب بتأجيل الانتخابات هم الصهاينة وأذناب النظام، وإنهم يسعون لتحقيق مصالح الصهاينة والأميركان» - «المصري اليوم» في 5 يوليو (تموز) 2011. هذه هي كلمات الرجل المرشح لرئاسة وزراء مصر في المرحلة المقبلة، غير أنه كان صادقا مع نفسه، هو لا يتخيل أن بعض الناس خارج الجماعة من الممكن أن يختلفوا معه في الرأي، وأنه من الممكن لبعض الناس أن يطالبوا بصياغة الدستور أولا دون أن يعني ذلك أنهم يعملون لمصلحة الصهيونية وأميركا. عندما تعلن أميركا عن استئناف حوارها مع جماعة الإخوان المصرية، فذلك ليس لأنها قوة سياسية أساسية في الشارع، بل القوة السياسية الأساسية. وأي قوة سياسية تستند لثقافة سائدة تغذيها وتتغذى عليها، والجماعة ترى أن مصر مستهدفة من الجميع؛ لذلك عليها أن تكون ضد الجميع، أليست هذه هي بالضبط الثقافة السائدة عند معظم من ليسوا إخوانا في مصر من المشتغلين بالسياسة؟ أليست هذه هي بالضبط الثقافة التي سادت مصر في الـ30 عاما الماضية، والتي استخدمها النظام في القضاء على أعدائه وابتزاز حلفائه؟

ألا يفسر لك ذلك انضمام 18 حزبا وجماعة سياسية في مصر إلى الجماعة في جبهة أو ائتلاف أو تحالف - سمع ما شئت؟ لقد خشوا أن يدوسهم القطار ففضلوا أن يقفزوا في عرباته في انتظار أوامر المرشد العام ليرشدهم إلى أماكن جلوسهم. ناقش أي مصري حصل قدرا من الثقافة، ستجده ضد التحول إلى الاقتصاد الحر، وفي الوقت نفسه هو يريد الحرية السياسية. اقرأ صحافتنا، شاهد واستمع إلى إعلامنا، ستجدهم جميعا يهاجمون الأوغاد الذين باعوا مصر، والأوغاد الذين جاءوا لشرائها.

في خطابه الذي كال فيه لخصومه أفظع التهم، قال الدكتور مرسي: «هناك 5 تحديات تعوق مسيرة الإصلاح، وهي: بقايا النظام السابق (هل يوجد في مصر من لا يمكن اعتباره من بقايا النظام السابق؟)، وأمن الدولة من ضباط وجنود وصف، والبلطجية الذين ربتهم الشرطة، ورأس المال الفاسد، والقوى الأجنبية المتربصة بمصر».

وقفت طويلا أمام التحديين الرابع والخامس، وكيفية مواجهتهما، كيف سيعرف المال الفاسد من الأموال الطاهرة؟ وهل توجد في مصر فلوس طاهرة غير فلوس الإخوان؟ ومن هي بالضبط القوى الأجنبية المتربصة بمصر؟ وماذا سيفعل بها؟ إذا كانت هذه هي البدايات، فيالبؤس الخواتيم - الجملة لصديقي المرحوم فرج فودة.