لماذا هزت عروشهم بعد الانفتاح؟

TT

خلال السنوات القليلة الماضية غير القذافي مواقفه السياسية الخارجية، وأعلن نهاية دعم الإرهاب، وشارك في الحملة على تنظيم القاعدة، وفتح ليبيا للشركات الدولية، وخصخص أبرز ثمانين شركة حكومية باعها في السوق، وكان على وشك تخصيص شركتي الحديد والهاتف الحكوميتين. ومع هذا رُجم بالطوب والرصاص، وهو الآن مختبئ في قبو ما، يقال تحت أحد المستشفيات. الرئيس المخلوع زين العابدين حقق لتونس أرقاما اقتصادية أفضل من جارتيه النفطيتين ليبيا والجزائر، ومع هذا اضطر أن يفر تحت جنح الظلام. بشار الأسد سمح لمواطنيه السوريين، المحرومين منذ ثلاثين عاما، باقتناء الكومبيوتر والفاكس والهاتف الجوال، وسمح لهم بالإنترنت والـ«فيس بوك»، وكان جزاؤه هو الآخر مظاهرات عارمة تطالب بإسقاط نظامه.

لماذا؟ أعتقد بوجود ثلاثة أسباب: أولا أنها إصلاحات جاءت متأخرة جدا، وثانيا جاءت ناقصة، الثالث والأهم أنها كانت إصلاحات اقتصادية لا سياسية. فالإصلاح السياسي ضرورة لاستيعاب الناس، أما الاقتصادي فضرورة لإرضائهم.

بالنسبة للأنظمة الشمولية يبدو أن الانفتاح الجزئي أخطر عليها من الانغلاق التام، وإن لم يكن ذلك صحيحا دائما. وإشكالية الإصلاح أنه حالة مستمرة، مثل ركوب الدراجة، ومتى توقف راكبها عن إدارة عجلة الإصلاح سيقع عاجلا أم آجلا.

وربما الحالة العصية على التغيير هو القذافي لأنه شخص يصعب تغييره، يملك تفكيرا مختلفا لا يمكن التنبؤ بما سيفعله في صباح اليوم التالي. ويراهن إلى اليوم على أن العالم سيغير رأيه وسينقلب ضد الثوار، مستمتعا بفتات الأخبار مثل أن رئيس الوزراء الإيطالي يعارض كلاميا تدخل قوات الناتو، ويرى بصيص أمل في انتقاد قاله أحد وزراء الدول الاسكندنافية، وربما يتابع بشغف الجدل في الكونغرس الأميركي ضد تسليح الثوار أو ضد إشراك القوات الأميركية في هجوم قوات التحالف على قوات القذافي. لكن مهما طال زمن العراك في ليبيا الممزقة لن تعود ولن يعود إلى ما كان عليه قبل الثورة، هذا أمر مستحيل إلا بصيغة مشوهة.

وحتى لو بقي القذافي حاكما على جزء من ليبيا، وهذا أفضل خياراته التي يتمناها اليوم، فإنه سيخسر معظم أمواله التي خزنها في البنوك الغربية، وسيفقد معظم مصادر البترول التي جعلت حكومات الغرب تسمح له وجماله وأولاده أن يعيثوا في عواصمها، أو كما قال ابنه سيف، مستنكرا الذين ينتقدونه الآن، بأنهم كانوا يلعقون أحذيتنا. عندما تنفد أمواله ينفد أصدقاؤه.

بالنسبة لسوريا فإن الرئيس بشار الأسد سبق له أن أثنى على التجربة الصينية وأوحى أنه يفضلها على الروسية، على اعتبار أن النظام الصيني نجا من الانهيارات التي شملت المعسكر الشيوعي. فتح الباب السوري جزئيا، لكن حتى الذين دخلوا للاستثمار والعمل انسجاما مع دعوته اشتكوا من الفساد والانغلاق الأمني. وقد قابلت أحدهم قبل أيام، قال إنهم دعوه للعودة وإكمال مشروعه، وحصل في يومين ما فشل في إنجازه في خمس سنين ماضية دون أن يدفع رشوة أو يستجدي ضابطا. فجأة استيقظ النظام السوري والآن يحاول الآن إصلاح ما وعد به منذ عشر سنين ولم يفلح، الإصلاح الاقتصادي الجزئي. هذا لن يكون كافيا بعد أن طالت قائمة مطالب ملايين السوريين يريدون كل شيء بما في ذلك تغيير النظام.

[email protected]