إن عقلي يدق في قلبي!

TT

يعجبني من الناس ذلك النوع الذي يجد وسيلة.. طريقا.. حلا.. إذا اعترضته الصخور لف حولها.. إذا استوقفه الجدار تسلقه.. إذا اعترضته الرمال ركب جملا.. إذا اعترضه الماء استقل زورقا.. وهذا بالضبط الذي لا أفعله.. فإذا وجدت الماء رحت أحصي الأمواج وأعد القواقع.. وإذا رأيت الصحراء جعلت أتساءل: هل يا ترى عدد النجوم في السماء أكثر أم عدد الرمال على الأرض.. ولا أصل إلى حل.. بل لا أحاول.. وإنما أضع أمامي قضية واحدة هكذا: إذا كنت أنا القاضي في محكمة الفلسفة وكانت القضية هي كم عدد ذرات الرمل.. وكم عدد موجات البحر.. وكم عدد شعرات رأس الإنسان، فإنني أنتهي إلى عجزي عن المعرفة.. ثم أعلن رفع الجلسة.. أما القرار فهو: إنني لست مؤهلا للحكم في هذه القضية ولذلك يجب أن أرد نفسي.. عن النظر فيها.. وأي أحد.. وأنا رومانسي لأنني شديد الحساسية ولأنني أضع قلبي فوق عقلي.. بل إن عقلي يدق في قلبي. ولا يزال يدق حتى يصبح عقلي غير قادر على الرؤية والرأي.. وأنا أغمض عيني عن الواقع.. وأحب واقعي أنا.

وإذا نظرت حولي إلى كل المفكرين العرب، وأكثرهم من الأدباء والشعراء في الخمسين عاما الماضية.. فماذا أجد؟ أكثرهم رومانسيون.. شعراء.. خطباء.. فمؤلفو الروايات اختفوا وراء ما فيها من رمزية.. وتواروا وراء أبطالها يغمزون ويلمزون، فإن سألتهم: ما هذا؟ قالوا: إنهم أبطالنا ولهم حياتهم المستقلة.

أي إن هذه آراء المؤلفين إلا قليلا.. فهم الذين قالوا.. ولكنهم لم يوضحوا.. ولا إصلاح بغير وضوح.. أي بغير برنامج واضح مدروس مباشر!

أما الشعراء فهم الذين قال فيهم شوقي:

فاتقوا الله في قلوب العذارى..

فالعذارى قلوبهن هواء..

جاذبتني ثوبي العصي وقالت:

أنتم الناس أيها الشعراء!

فالشعراء هم الناس.. هم الذين يصنعون الجمال ويتغنون به.. ويصدقون أن هذه هي القضية وأن هذا هو الحل.. وأن الوجود خارج الزمان، بعيدا عن المكان.. وركوب الأشجار، وسكنى السحاب.

فقط أن نطير ونحلق، ونقاوم جاذبية الأرض ونتساقط صرعى جاذبية الإنسان!