دخل الضمان الاجتماعي الأميركي يواجه مخاوف غول التضخم؟

TT

قد يكون نظام الضمان الاجتماعي من أكثر البرامج شعبية في دول الديمقراطيات الغربية، ومن أسباب ذلك أنه يتطلب القليل من التفكير، حيث يدفع المواطن الضرائب عندما يعمل، ثم يحصل هو وشريك حياته ما دفع حتى الموت. لكن يعد هذا الوصف نوعا من التبسيط المخلّ، فالضمان الاجتماعي واضح كما تنص عليه القوانين، لكن أمام صاحبه اختيار مهم. ويستطيع الكثيرون أن يجعلوا حياتهم بعد التقاعد أفضل، إذا كان اختيارهم مختلفا.

خلال مناقشتي في المقال السابق، يقول أكثر خبراء الاقتصاد والمستشارين الماليين إنه سيكون من الجيد للأميركيين فيما يتعلق بالتقاعد زيادة المبلغ الذي يدفعونه لضمان الحصول على دخل مدى الحياة، مثلما يحدث في نظام الضمان الاجتماعي. المصطلح الفني لهذا الوعاء المالي الذي يحقق ذلك هو «الدخل السنوي مدى الحياة»، وتعد المعاشات التقليدية نوعا من الدخل السنوي مدى الحياة، ويبدو أن الذين يحصلون عليها يفضلونه.

ولكن الغريب في الأمر أن الناس الذين لديهم خطط تقاعد، مثل «401 كيه»، لا يدفعون مقابل الحصول على دخل سنوي مدى الحياة، على الرغم من أن هذا سوف يجعل وضعهم المالي أبسط وأكثر استقرارا. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الحالة لغز محير.

وقد كتب عدة قراء يوضحون سبب عدم القيام بذلك، مشيرين إلى وجود ثلاثة مباعث أساسية للقلق لديهم، هي عدم توفير حماية لأكثر الدخول السنوية مدى الحياة من التضخم، لذا يتساءلون عما يمكن أن يحدث لها في حال ارتفاع معدل التضخم مرة أخرى. ثانيا، كيف يمكن للشخص الذي يقوم بذلك أن يضمن أن الشركة التي تقدم هذه الخدمة ستستطيع أن تستمر في دفع معاشه لمدة 20 أو 30 عاما. ثالثا، يمكن لهذه الخدمة أن تصبح أكثر تعقيدا، وأحيانا تتكلف الكثير من الرسوم. لذا كيف يمكن لهم أن يعرفوا ما إذا كانوا يحصلون على صفقة جيدة؟

كل هذه مخاوف مشروعة، وأتمنى أن أجد طريقة بسيطة لحل كل تلك المشكلات، لكنها صعبة حقا. لكن تستطيع الحكومة الفيدرالية المساعدة في هذه الأمور. على سبيل المثال، يمكن لها أن تسن قوانين لتشجيع عدد أكبر من أصحاب العمل على تقديم دخول سنوية مدى الحياة آمنة وعادلة من خلال خطط مثل «401 كيه». هناك اهتمام في واشنطن بهذا، لكن الشيطان يكمن دائما في التفاصيل. يرغب أصحاب العمل في ابتداع قانون واضح يعفيهم من مسؤولية اختيار الشركة المقدمة لتلك الخدمة على سبيل المثال من خلال منح ملاذ آمن في حال كان مستوى التصنيف الائتماني لشركة التأمين مرضيا، لكن بالنظر إلى سجل هيئات التصنيف الائتماني، يبدو وضع هذا القانون أمرا غير محتمل.

فلنركز في ضوء هذه الصعوبات على مصدر واحد للدخول السنوية مدى الحياة، الذي يتمتع بحماية من التضخم ومقابل رسوم معقولة، لأن الحكومة هي التي تتولى إدارته، ألا وهو نظام الضمان الاجتماعي. قد يكون من السذاجة الزعم أن مزايا الضمان الاجتماعي آمنة، حيث أرى أن هناك أسبابا تدعو لانتقاده. أعتقد أنه كلما استمر كبار السن في التصويت بأعداد كبيرة، لن ينكث أي كونغرس عهده الذي قطعه بشأن توفير المبالغ المالية للمواطنين المستحقين لها. بطبيعة الحال، من الضروري تعديل النظام بحيث يتسم بالاكتفاء الذاتي، لكن يتفق خبراء الاقتصاد على اختلاف مشاربهم على أن هذا أمر سهل نسبيا، مقارنة بخفض تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة مثلا. يمكن لهذا أن يحد من المزايا المستحقة لهم على نحو ما، ربما من خلال صيغة أقل كرما، لكنني أعتقد أن أي شخص مستحق لهذه المبالغ والمزايا يستطيع أن يضمن الحصول عليها.

إذا كنت تعتقد أن هذا محال، يمكنك التوقف عن قراءة المقال وتقديم شكوى لنائبك في الكونغرس. وربما تكون تلك فرصة سانحة لنصحهم برفع سقف الدين أو إلغائه، حتى لا نخيف الناس بجعلهم يعتقدون أننا سنتخلف عن سداد ديوننا. لذلك هناك أمر جيد، حيث توجد طريقة سهلة لتحويل جزء من أموالك إلى دخل سنوي مدى الحياة ذي قيمة عادلة وقابلة للتعديل بحسب التضخم، وهي تأجيل المطالبة بالحصول على مبلغ الضمان الاجتماعي المستحق.

يمكن للمشاركين الحصول على المبالغ المستحقة بمجرد بلوغهم الثانية والستين. لكن سيتاح للذين سينتظرون حتى سن السبعين زيادة في المبالغ الشهرية بشكل عادل. وتم وضع صيغة المطالبة بحيث تجعل القيمة الاقتصادية من المزايا والمبالغ المستحقة متساوية، بغض النظر عن بداية الاشتراك. وكلما طالت مدة انتظارك، زادت مستحقاتك الشهرية منذ بداية حصولك على شيكات، لأنك لن تستمر في الحصول عليها لفترة طويلة. وإذا انتظرت من سن الثانية والستين إلى السادس والستين، فسوف تزداد مستحقاتك المالية بمقدار الثلث على أقل تقدير، وإذا انتظرت حتى تبلغ السبعين من العمر، فسوف تزداد مستحقاتك بنسبة 75 في المائة على الأقل، لأنك إذا أجلت المطالبة بالحصول على المستحقات واستمررت في العمل، يمكنك أن تتأهل للحصول على دخل أكبر.

في وجود كل تلك القوانين، الانتظار هو أقل الوسائل تكلفة للحصول على دخل سنوي أكبر مدى الحياة. لكن قليل هم من يستغلون تلك الفرصة. بدأ حاليا نحو 46 في المائة من المشتركين يطالبون بالحصول على الدخل المستحق وهم في الثانية والستين، أي بمجرد بلوغ السن المحددة، بناء على تصريح الحكومة. وأقل من 5 في المائة من المشتركين هم فقط من يؤجلون الحصول على الدخل إلى السادسة والستين. إذا كنت تتمتع بصحة جيدة ويمكنك الانتظار، فنصيحتي أن تنتظر أطول مدة ممكنة، فكلما ضمنت دخلا أكبر مدى الحياة، بات من الأسهل تنظيم ميزانية التقاعد الخاصة بك، وأصبحت أقل قلقا من العيش «لمدة طويلة جدا».

يمكن لإدارة الضمان الاجتماعي اتخاذ بعض الخطوات لحث الناس على تأجيل المطالبة ببدء الحصول على الدخل السنوي. أولا من المهم تغيير بعض المصطلحات التي تثير الربكة. لأسباب تاريخية، تصنف هيئة الضمان الاجتماعي متوسط السن بين 63 و70 بأنه «سن التقاعد الطبيعي». ويعد مصطلح «طبيعي» جزءا من اللغة الرسمية. وبات سن التقاعد التقليدي 65، لكن تم رفعه ببطء حتى وصل إلى 67. على سبيل المثال بالنسبة إلى أي شخص ولد خلال الفترة بين عامي 1943 و1954، تم تحديد السن عند السادسة والستين.

فلنتخلص من هذا المصطلح المضلل الركيك. المستحقات في هذه السن ليست كاملة، والتقاعد في هذه السن ليس «طبيعيا». وتوضح الأبحاث أن تحديد سن تقاعد كامل يمكن أن يؤثر على اختيارات الناس، وربما يسهم في تفسير سبب اتجاه القليلين إلى تأجيل الحصول على الدخل السنوي المستحق إلى ما بعد السادسة والستين.

هناك خطوة أكثر جرأة يمكن أن تزيد من مبلغ الضمان الاجتماعي للكثيرين. تقترح باميلا بيرون من معهد «أسبين إنستيتيوت» أن يتمكن المشتركين من «زيادة» مزايا الضمان الاجتماعي الخاصة بهم. ويستطيع المشتركون الدفع مقابل 100 ألف دولار إضافية، من خلال إرسال شيكات إلى إدارة الضمان الاجتماعي. وهذا الرقم عشوائي، لكن الفكرة هي أن هذا الغطاء يترك سوق المنتجات مرتفعة الثمن للقطاع الخاص. وسيتم فقط إضافة المبالغ المستحقة إلى مبلغ الضمان الاجتماعي المعتاد، مما يجعل التكاليف الإدارية أقل.

لن تحل هذه الإصلاحات مشكلات أي شخص، لكنها قد تجعل ميزانية المنزل أسهل وأقل إثارة للقلق. ومع قرب وصول من ولدوا خلال مرحلة زيادة إنجاب الأطفال إلى سن التقاعد، فسيكون من المناسب اتخاذ مثل تلك الخطوات المذكورة الآن.

* ريتشارد تالر هو أستاذ الاقتصاد والعلوم السلوكية بكلية الأعمال بجامعة شيكاغو، ويعمل كذلك مستشارا أكاديميا لمركز «أليانز غلوبال إنفيستورز فور بيهافيورال فاينانس» التابع لمؤسسة «أليانز» التي تعمل في مجال الخدمات المالية، ومنها الدخل السنوي مدى الحياة، ولم يتم الرجوع إلى المؤسسة لكتابة هذا المقال

** خدمة «نيويورك تايمز»