أبو خليل

TT

منذ عقود أضعت أثر إبراهيم عبود. لم أعد أسمع عنه ولا منه. لكنني بقيت أروي في المجالس قصتي معه، عندما ذهبنا، هو وكاميرته وأنا، لمقابلة الراحل الكبير فيصل بن عبد العزيز في الطائف. كان إبراهيم يكبرني بـ11 عاما وكاميرته تكبره بنحو 110 أعوام. وفيما أنا أسجل كلام الملك فيصل، راح هو وكاميرته يلتقطان الصورة. وفجأة سمعت صوت رصاص، فاهتز الشاي في يدي وانزلق على ثيابي، وحافظ الرجل الكبير على هدوئه الملكي، وأمر حارسه بـ«بشكير» عليه «ماء كثير».

قبل أيام أرسل إلي الزميل العزيز حمزة العليان، مدير مركز المعلومات في «القبس»، مقابلة أجرتها «القبس» مع إبراهيم عبود، الملقب «أبا خليل» مع أنه لم يتزوج ولم يرزق. فقد طرد والده أمه وهو طفل، ورماه خارجا، وطفق يبحث عن الحياة، من فلسطين إلى الكويت، وأحب امرأة واحدة ثم رآها مع رجل آخر، فقرر ألا يكرر مأساته مع «خليل» الذي لم يكن.

كنا نمازح إبراهيم بلقب «الفريق»؛ لأن رئيس السودان يومها كان الفريق إبراهيم عبود. وفي مقابلة «القبس» روى إبراهيم عبودنا حكاية الطائف وكاميرته القديمة ولعلعة احتراق «لمبتها». لكنه روى أشياء أخرى أيضا. قال إنه عندما انتهى عصر الكاميرات التقليدية (التي تلعلع كالرصاص) اشترى آلة «ديجيتال» ثمنها نحو 50 ألف دولار، بالمشاركة مع صديق له. وبعد فترة سرق الصديق المحل والتجارة والعمل، وانتقل أبو خليل إلى حيث هو الآن، رجل عجوز معوز في دكان فقير في شرق الكويت. وعلى عادته وطيبته، يعتقد إبراهيم أن حظه قد ساء يوم تخلى عن الكاميرا الملعلعة إلى الديجيتال الياباني.

تعذب النفس الأبية أصحابها، وينتهي أصحاب القلوب المغالية في الطيبة إلى دكان فقير في الكويت. وأتخيل إبراهيم يروي بؤسه وهو يبتسم. لم أره مرة شاكيا، متذمرا، أو بلا ابتسامة رضية، ولم أسمعه ينتقد أحدا، وبهذا المعنى الإنساني كان إبراهيم برتبة فريق ووسام أعلى. وكل ما أستطيع أن أفعله هو أن أناشد الأمير الشيخ صباح الأحمد أن يبعث من يلقي التفاتة على دكان أبي خليل. مع كل محبتي.