هل هي مصرستان؟

TT

شكلت الجمعة الماضية بمصر صدمة للقوى السياسية المطالبة بالدولة المدنية، ومنهم الشباب والليبراليون، حيث ردد الإسلاميون شعار «إن الحكم لله»، و«إن الديمقراطية تنفيذ لرغبة الشعب»، و«الشعب يريد تطبيق الشريعة».

حتى إن أحد الناشطين الشباب يقول إن ميدان التحرير بدا وكأنه أفغانستان، فهل صدمتهم مبررة، وهل يلام عليها المجلس العسكري؟ الإجابة لا، فالإسلاميون الذين خرجوا بميدان التحرير مصريون ولهم حق التعبير عن رأيهم، شئنا أم أبينا، ولا يمكن إقصاؤهم، وإلا باتت مصر الثورة لا تختلف عن نظام مبارك، فصناديق الاقتراع بالنهاية ستكون الحكم. لكن إذا واصل الشباب والليبراليون تقوقعهم، والإفراط بأحلامهم غير الواقعية، فالمؤكد أن صناديق الاقتراع لن تنصفهم، وهذا ما يتجاهله دعاة الدولة المدنية بمصر، فصدمتهم من ظهور الإسلاميين بذلك الشكل تشكل صدمة بحد ذاتها لكل متابع للشأن المصري، لأن ذلك أمر متوقع منذ سقوط نظام مبارك، خصوصا عندما تفرغ الشباب والليبراليون للمناكفة بدلا من تنظيم أنفسهم والعمل على الأرض بواقعية.

فليس مقبولا أن يهاجم الشباب والليبراليون المجلس العسكري ويطالبونه بالتأجيل حتى يقوموا بترتيب صفوفهم مقابل الإخوان المسلمين، مثلا، المنظمين والمستعدين للوثوب على الحكم، فالحقائق تقول إن الشباب والليبراليين فوتوا فرصا كثيرة حين لم ينظموا أنفسهم، ولم يحاولوا التفاهم، وليس التهادن، مع العسكر، للمضي قدما لبناء الدولة المدنية. بل إن الشباب والليبراليين تفرغوا، ومعهم إعلام حالم، لمناكفة العسكر، وبالتالي شتتوا أنفسهم وجهودهم. أبسط مثال، انتقادهم المستمر للمجلس العسكري حول التأخر بمحاكمة رموز النظام، والحقيقة أنهم لا يطالبون بمحاكمة، بل يريدون إدانة، ولذا من المهم أن يحددوا أولا، هل هم ثأريون أم ثوريون، أي طلاب ثأر أم ثورة؟ فحتى من يبرّأ لا يقبلون ببراءته، يريدونها على طريقة (خذوه فغلوه)، هذا عدا الانشغال بالحيل التي زرعها لهم الآخرون، ومنهم الإخوان، مثل الثورة المضادة وخلافه، بينما يعمل الإخوان والإسلاميون على تثبيت مواقعهم دون كلل أو ملل.

وإذا كان هناك من أحد يلام على ما وصل إليه حال مصر ما بعد الثورة فهم الشباب والليبراليون أنفسهم، والقوى السياسية المدنية الأخرى، وليس العسكر، الذين يستحقون اللوم طبعا بقضايا مختلفة، منها منع المراقبين الأجانب من الإشراف على الانتخابات القادمة، أو اتهام البعض بالعمالة للخارج، والتأخير باتخاذ بعض القرارات. لكن كل ذلك كان يمكن حله لو توافرت قنوات اتصال بين الشباب والليبراليين مع العسكر، ومن خلال مطالب واقعية وليس تعجيزية، وهذا ما قلناه في 18 يوليو (تموز)، بعنوان «ليبراليو مصر مثل سنة العراق» وهو ما أكدته جمعة الإسلاميين الأخيرة، حيث ثبت أن ليبراليي مصر وشبابها تفرغوا للمناكفة، بينما تفرغ الإسلاميون لتعزيز مواقعهم.

فهل تفيق القوى السياسية، وتحديدا الشباب والليبراليون، من الأوهام، ويعتبرون من جمعة الإسلاميين، بالهبوط إلى أرض الواقع، أم يواصلون إضاعة الفرصة التاريخية لبناء مصر الديمقراطية؟ فما حدث بالجمعة الماضية لا يوجب الصدمة بقدر ما يفرض ضرورة التحرك الفوري والعقلاني لتنظيم الصفوف، والشروع في لعب السياسة الحقيقية، لا الشعارات الحالمة.

[email protected]