الأميرة سلطانة الحب بصدق

TT

وإن كان الموت بكل تجلياته المحزنة يسبب الفقد، وبقدر ما للفقيدة من حضور طاغٍ، فسيكون الألم مضاعفا على ذويها، ولا يفجع الروح ويفطر الفؤاد مثل الفقد؛ إنه أكثر الأحزان والآلام إيغالا في الروح والجسد. ذلك أن طعمه المر يغص به المفؤود ليل نهار، ولا يستطيع التعايش معه أو استيعابه، وأكثر مرارات الفقد تجليا هو الموت.. ها هو الموت يغيب عنوانا مهما للحب في هذه البلاد؛ الأميرة سلطانة بنت تركي بن أحمد السديري. هذا القدر المتربص بالإنسان في كل زمان وفي كل مكان، النازل عليه نزول الصاعقة، الزائر المباغت الذي يدخل ساعة يشاء من دون استئذان، يأخذ ما يريد ومن يريد وينصرف مخلفا حالة من الذهول والصمت والعي، وسكون ما بعد العاصفة.. الموت هذا الحكم الإلهي المبرم الذي لا يقبل نقضا أو استئنافا أو تمييزا، ولا يتحول بوساطة أو شفاعة، ولا يميز بين واحد وآخر ولا بين طيب وسيئ.. هو الحقيقة المرة التي تذكرنا في كل لحظة بعجزنا وضعفنا ومسكنتنا، وقدرة الخالق علينا عز وجل، وقهره لنا، كبيرنا وصغيرنا، غنينا وفقيرنا، القوي منا والضعيف، العظيم فينا والذليل، الحاكم والمحكوم.

كانت، رحمها الله، تمتلك طاقة هائلة من الحب بددتها بسخاء مفرط على كل من لقيها في هذه الحياة. زواجها من الكيان الشامخ الأمير سلمان بن عبد العزيز وضعها في تحد مع الذات لتجاري إنجازاته وأسلوبه المثالي في التعامل مع الآخرين. أبناؤها، فهد، رحمه الله، كان شخصية ملاصقة للقلب، كل ما يملكه وهبه للآخرين ورحل. سلطان، هذا الإنسان الفذ المتعدد المواهب، كل ما استمعت إليه تصبح مطمئنا على مستقبل القيادات في هذا الوطن، فهو لا يتحدث إلا بعد أن ينجز العمل. أحمد، رحمه الله، كان في جعبته الكثير ولكن الموت غيبه مبكرا. عبد العزيز، عمل دؤوب وجهد خارق على المستويين الإنساني والرسمي لا يمكنك إلا أن تنبهر إعجابا بما أنجزه. فيصل، نقل هذه الجريدة وشقيقاتها إلى العالمية بمهنية لم نشهد لها مثيلا في محيطنا العربي، جهوده في «جمعية إنسان» فاقت كل التوقعات. حصة، مرآة لوالدتها الراحلة وامتداد لها، من إنجازاتها بحث قيم بشأن حقوق الإنسان في المملكة لقي ردود فعل إيجابية على المستوى الدولي. هذه المحصلة المختصرة جدا من إنجازات أبناء الفقيدة هي في الواقع حصاد ما زرعته، رحمها الله، على مر السنين. كان سر نجاحها المدوي في التعامل مع أبنائها والآخرين هو الحب بصدق، مزجت هذا النوع الصافي من الحب بالعلم والمعرفة، فكانت النتيجة تفوقا جميلا نعتز ونفخر به دائما. إن تجربة الأميرة سلطانة، رحمها الله، كزوجة وأم وفاعلة في المجتمع، يجب أن تنقل ليستفاد منها.