رئيس يحاكم وآخر يقتل

TT

بينما يتسمر العالم أمام شاشات التلفزيون ليتابع مندهشا وغير مصدق مجريات محاكمة الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، بتهم مختلفة تعبر عن مرحلة انقضت، وانتصار للثورة الشعبية، وإظهار للحق، تحقيقا لآيات الله: «وتنزع الملك ممن تشاء»، «وتذل من تشاء»، كان الرئيس السوري بشار الأسد يدك في مدنه بالصواريخ والدبابات والرصاص، فحاصر مدينة حماه تماما وسد كافة مداخلها، وكذلك قام النظام بقطع الماء والكهرباء وكافة وسائل الاتصالات عن المدينة، بالإضافة إلى إطلاق المساجين من السجن العام والقيام بتسليحهم، وفي حمص، كانت الدبابات تدك المباني وتقتحم الأحياء وتحتجز العشرات، بعد إطلاق النار بشكل عشوائي على أهلها. وكذلك كان الأمر يحصل بشكل أقل في درعا ودير الزور.

ولكن الجرم الأكبر، والمجزرة الكبرى، كان يحصل في حماه، التي كان أهلها يهرعون في الشوارع هاربين من القصف الدموي العنيف، ولكن حواجز الأمن كانت تمنعهم من الهرب وتطلق النار عليهم، وكان الدخان الأسود الكثيف يغطي سماء المدينة بشكل مرعب. إنها حماه مجددا، حماه التي قام النظام الدموي في عهد الأب حافظ الأسد بارتكاب جريمة العصر فيها وإبادة 45 ألفا من سكانها، وتدمير أحياء بأكملها عن بكرة أبيها، وتسويتها بالأرض، في جريمة تفوق في ضحاياها جرائم دير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وحلبجة. عادت حماه لتكون «عقدة» نظام الأسد مجددا، فهي تمكنت من «تعرية» النظام وفضح حقيقة وضعه الشعبي عندما كانت المدينة بأكملها - ما يقارب الستمائة ألف من سكانها - يتظاهرون ليلا ونهارا مطالبين بإسقاط النظام، والإعلان عن «تحرير» المدينة من النظام، مما جعل سفيري أميركا وفرنسا يزورانها للتأكد مما حصل بنفسيهما، وهو الأمر الذي أفقد النظام صوابه، وبدأ بالإجراءات العسكرية الفتاكة بلا رحمة ولا هوادة؛ قتل بلا تفرقة ولا تمييز ولا تقدير. وهو نفس النظام الدموي الذي لم يجد وسيلة للرد على مطرب يغني للثورة إلا بأن يقتله عن طريق قلع بلعومه وإزالة حلقه من رقبته، والقذف به في نهر العاصي في حماه وهو ينزف حتى مات.

النظام الموتور في سوريا لا يزال يروج أن ما يحدث هو مؤامرة ومجموعة مندسة وغير ذلك من الهراء، فاته أن الذي أطلق شرارة الثورة الشعبية في تونس كان موقفا بسيطا حصل لشاب اسمه البوعزيزي، أهين من موظفة في بلدية سيدي بوزيد، فحرق نفسه حتى مات بعد ذلك، بعد أن فقد الأمل في العيش بكرامة، فانتفضت تونس وتحررت.

وفي مصر، تأثر الناس بوفاة شاب اسمه خالد سعيد على أيدي الشرطة المتوحشة بشكل مرعب، شوهت جثته وكيلت حوله أبشع التهم، وهو منها براء، وانتفض الشعب المصري بثورته وتحققت له الحرية. وفي سوريا كتبت حفنة من الأطفال في درعا على الجدار «الشعب يريد إسقاط النظام»، فأبلغ ناظر المدرسة الأمن الذي قبض على الأطفال (والأمن في سوريا هو طاقة من طاقات جهنم لا رحمة ولا عدالة فيها)، مما جعل أولياء الأمور، وهم من أهل العشائر، يذهبون إلى محافظ درعا (وهو ابن خالة الرئيس)، وقاموا برمي عقالات رؤوسهم على طاولته (وهي عادة عربية في البادية تعني طلب المعونة والاستعانة بجاه الشخص المنشود)، فما كان من المحافظ إلا أن قذف بالعقالات في سلة المهملات، وقال للأهالي: «انسوا أولادكم، وجيئوا بغيرهم، وإذا كنتم لا تستطيعون فسنرسل لكم رجالا تحبل نساءكم»، فقامت درعا وقامت سوريا كلها بعدها ولم تقعد ولن تقعد حتى تنال حريتها مثل غيرها.

لم يتعظ بشار الأسد، كنظام بعثي غاشم، مما حصل لصدام حسين في حفرته التي قُبض عليه فيها، ولا اتعظ بمصائر بن علي الذي هرب، ولا مبارك المسجون، ولا علي صالح المحروق، ولا القذافي المدفون، ولا حسب اعتبارا للشهر الكريم، واستمر في نهج القتل والتدمير. ها هو العالم الحر يبدأ حراكه في سبيل إصدار قرار أممي ضد سوريا، ويبدأ في إجراءات عملية لسحب الشرعية منه وسحب السفراء ووقف التعامل.

نظام بشار الأسد هو في النزع الأخير، وعملية الحشرجة بدأت.. نظام لا يتعظ ولا يرحم لا يستحق الاستمرار. فالله يمهل ولا يهمل.. من عدله، الظالم يحاكم، ومن رحمته أن يراها المظلوم، ويمهل، من لطفه، رسالة لبقية الطغاة الظالمين لعلهم يرجعون لطفا بشعوبهم فيوقفوا قتلهم.

[email protected]