السير تجاه إيران النووية

TT

على مدى أعوام كان يفترض أن تفضي العقوبات الاقتصادية والنهج الدبلوماسي إلى ظهور شريك في المفاوضات يكون لين العريكة داخل إيران. ولكن قوضت العدوانية الإيرانية بفعالية فكرة كانت تحظى بشعبية، فيما سيطرت درجة من الارتباك والذعر على المجتمع الدولي. ويتمثل الأمل غير المصرح به كثيرا في أن منع تقنيات حيوية وعمليات التخريب قد تعطل البرنامج النووي الإيراني حتى ظهور بديل استراتيجي أو التوصل إلى اتفاق. وكان الرأي أن الوقت في صالحنا، ويمكن تعطيل الأساس العلمي الضعيف الإيراني بدرجة أكبر من خلال الضغوط. وعلى عكس هذه الافتراضات، نمت البنية التحتية الإيرانية من ناحية تقدمها وقدراتها خلال العقدين الماضيين.

وتعد إيران دولة مختلفة في تاريخ الانتشار النووي، حيث إن كل دولة متوسطة حصلت على قنبلة نووية توصلت إلى ذلك من خلال مساعدة مهمة من راع خارجي. فقد حصلت الصين من الاتحاد السوفياتي على استشارات فنية ووسائل لبناء مفاعل نووي وتصميمات أسلحة وإمدادات بصواريخ بالستية. وقامت الصين بإمداد باكستان بكمية من اليورانيوم كافية لقنبلتين، وساعدت في بناء منشأة التخصيب الباكستانية ومفاعلات بلوتونيوم ووضع اللمسات النهائية على تصميمات قنابل. وحصلت إسرائيل من فرنسا على مفاعل نووي ومصنع لمعالجة بلوتونيوم تحت الأرض وتصميمات أسلحة. وتتجاهل الهند - التي طالما زعمت أن برنامجها النووي إنجاز محلي - حقيقة أنها حصلت على مفاعل نووي من كندا و20 طنا من الماء الثقيل من الولايات المتحدة. وبعد عزلها، اقتربت جنوب أفريقيا من المأزق الإيراني، حيث كان عليها الاعتماد على مصادر محلية لتصنيع القنبلة ولكنها حصلت على التريتيوم من إسرائيل، وهي مادة مهمة من أجل تفجير الأسلحة النووية الحرارية. وعلى الرغم من أن إيران حصلت على مساعدة روسية من أجل إتمام مفاعل ماء خفيف لا يمكن استخدامه في تصنيع أسلحة، كما حصلت على أجهزة طرد مركزي أولية من شبكة عبد القدير خان، إلا أن طهران لم تتمتع يوما بالرعاية الخارجية التي حصلت عليها دول أخرى في برامجها النووية. وعلاوة على ذلك، لم تواجه دولة أخرى هذه المحاولات الممنهجة من أجل ممارسة الضغوط على برنامجها النووي من خلال منع وصول التقنية واستهداف البرنامج بهجمات عبر فيروس كومبيوتري، (وفي الواقع، لو واجهت باكستان وإسرائيل العقبات نفسها التي تواجهها إيران، لأخذ طريقهما إلى القنبلة النووية وقتا أطول). ويظهر الذكاء العلمي لإيران من خلال تجاوزها عقبات تقنية متتالية وتمكنها من المحافظة على شبكة تخصيب متنامية واقترابها من الكشف عن جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي.

ما الذي جعل ذلك ممكنا؟ كانت الثمانينات من القرن الماضي العقد الفاجعة فيما يتعلق بالعلوم داخل إيران، حيث إن هجوما ثوريا على الجامعات والحرب الطويلة مع العراق حرمت القطاع التعليمي من دعم حكومي. ولكن تغير ذلك في التسعينات على الرغم من عقوبات ورقابة على الصادرات فرضت على إيران بعد ثورة 1979، حيث سعت النخبة السياسية (المحافظة والإصلاحية) إلى استعادة البحث العلمي. وظهرت مؤسسات جديدة مثل معهد زنجان للدراسات المتقدمة في العلوم الأساسية ومعهد الرياضيات والفيزياء النظرية، كما جرى إحياء مؤسسات قديمة مثل جامعة شريف للتقنية.

تمتعت منظمة الطاقة الذرية، التي كانت محمية من قبل هاشمي رفسنجاني حتى في أيام الاضطراب العنيف المصاحب للثورة الإيرانية، بفريق إدارة جديد وبحصص أكبر للدولة. وفي دولة عادة ما تمثل فيها السياسات ساحة للجدال العنيف، وجد الإصلاحيون واليمينيون المتطرفون أرضية مشتركة من خلال تعهدهم بالتطوير العلمي. وكانت النتائج مؤثرة؛ فقد زاد عدد الصفحات العلمية التي يكتبها العلماء الإيرانيون في الصحف المعروفة عالميا بشكل ملحوظ، في الوقت الذي تمتلك فيه الكثير من الجامعات مصادر كافية وخبرات جامعية بما يسمح لها بتقديم برامجها الخاصة بالحصول على درجة الدكتوراه.

وبدلا من أن تعاني من عجز أو قيود جراء تقليص التمويل نتيجة العقوبات المفروضة عليها، أثبتت الدولة أنها راع قوي للعلوم. وقد ظهر علماء إيران كقوميين أقوياء عازمين على تجاوز السياسات المتشددة وتزويد دولتهم بجميع إمكانات الاكتشاف التكنولوجي، من بينها التطويرات في العلوم النووية. وقد خلق وضع الدولة المنبوذة روح الجماعة داخل مجتمعها العلمي. ويبدي باحثوها استياءهم من تجنبهم من قبل زملائهم الدوليين، كما أنهم غاضبون بسبب إقصائهم من الجهود التعاونية المشتركة مع مراكز التعلم الغربية وأيضا من عمليات القتل التي استهدفت زملاءهم. وفي إيران اليوم، صاغ الحكام والعلماء ميثاقا وطنيا تلتزم الدولة بموجبه بتوفير الموارد اللازمة، في الوقت الذي يقوم فيه العلماء بتزويدها بخبراتهم. وهناك مجموعة خاصة من العلماء القوميين ملتزمة بتزويد الدولة بالإمكانات اللازمة للوصول إلى قمة التقدم التكنولوجي، ومن خلال هذه العملية، تزويد الملالي بالوسائل اللازمة لصنع قنبلة نووية.

تتباين التقديرات المحددة، لكن في الأعوام القليلة المقبلة، فإن إيران ستكون في وضع يسمح لها بتفجير قنبلة نووية. وستلقي حكومة دينية مسلحة بمتفجرات بظلال مخيفة على التحول السياسي في المنطقة، غير أن التبعات لن تكون محصورة في منطقة الشرق الأوسط فحسب. فمن شأن امتلاك إيران قنبلة نووية أن يثير أقوى خلاف حزبي منذ خلاف عام 1949 بشأن من خسر الصين. وفي النهاية، فلا يمكن للنظام المضطرب في الشرق الأوسط أو السياسات الحزبية في واشنطن أن تتحمل جمهورية إسلامية مسلحة بأسلحة نووية.

* زميل رفيع المستوى

في مجلس العلاقات

الخارجية الأميركي.

* خدمة «واشنطن بوست»