الاحتجاج (بالتثاؤب)

TT

سألني: من الذي يحب صاحبه أو قريبه أو مواطنه أكثر؟!

أهو الذي يكشف الستار عن عيوبه ويظهرها له كما هي؟

أم الذي يغض البصر عن نقائصه ويخفيها عليه، ويمدحه ليسره؟!

قلت له: إذا كان المقصود هو أنا، فإنني بالطبع أحب الثاني، خصوصا عندما يبالغ في مديحي، حتى لو كان كاذبا.

هل تريد الصراحة أو بنت عمها؟! هذه هي الصراحة.

(فلوح) بيده غاضبا وهو يقول لي: (مالت عليك).

* * *

أظن أن الرجل البخيل سيئ النية هو أشبه ما يكون (بالغراب) الذي هو أحذر وأخوف الطيور على نفسه، مع أنه أبعدها عن مطامع الصيادين.

ولا أذكر يوما أن حاولت أو حتى فكرت أن أصطاد غرابا، ومع ذلك لا أذكر يوما أنني مررت بغراب إلا وطار من مجرد مشاهدتي وهو يرمقني بعين عدوانية وينعق في وجهي وكأنه يوجه لي أقذع الشتائم السوقية.

* * *

أعتقد أن (التثاؤب) ما هو إلا صرخة حائرة.

غير أنني متأكد أن هذه الحركة اللاشعورية هي معدية، وقد اتضح لي ذلك عندما كنت جالسا في يوم من الأيام مع رهط من الناس تحت بيت من الشعر، وكان هناك كلب (سلوقي) ليس بعيدا عنا في الخارج جالسا بأمان الله باسطا ذراعيه، وفجأة تثاءب السلوقي تثاؤبة طويلة، فسرت يا سبحان الله العدوى بيننا سريعا وكأن هناك سلكا كهربائيا موصولا بيننا وبينه، وكنت ثالث ثلاثة ممن أصابتهم العدوى.

ولا أدري إلى الآن هل ذلك السلوقي حاله كحالنا، وأصابه ما أصابنا من الإحباط، لهذا تثاءبنا جميعا دفعة واحدة، كنوع من التعبير والاحتجاج؟! عندها كبر ذلك السلوقي بعيني، وعندما خرجت مودعا تعمدت أن أشد على يده تقديرا له واحتراما، وعندما استغرب البعض من تصرفي ذاك، قلت لهم: (كلنا في الهوا سوا).

* * *

قال لي: إن المصيبة تأتي على ظهر جواد، وتذهب مشيا على الأقدام.

قلت له: لا وأنت الصادق، فالمصيبة هذه الأيام تأتي على ظهر صاروخ، وتذهب حبوا على البطن.

[email protected]