المصير المشابه

TT

كتب الزميل سامي عمارة، مراسل «الأهرام» في موسكو، (السبت 6 – 8 - 2011) رسالة بعنوان «كيف أنقذ بوتين يلتسين من مصير مشابه لمبارك؟». وكنت قد كتبت في هذه الزاوية، قبل سنوات كثيرة، عندما اشتد الجدل حول التوريث في مصر، أن أفضل ما يلجأ إليه الرئيس حسني مبارك هو ما فعله يلتسين في روسيا.

اقترحت يومها أن يسلم مبارك (في انتخابات الرئاسة) إلى نائبه عمر سليمان فترة عامين على الأقل. وخلال هذه الفترة يدرس فعلا حقيقة النبض الشعبي في مصر، فإما أن يمضي في خطة التوريث، وعندها لا يبدو التوريث توريثا، بسبب الفترة الانتقالية، وإما أن يصرف النظر عنها ويضمن لنفسه ولعائلته بقاء سليما في مصر.

واضح أنها فكرة شخصية بُنيت على تجربة وعلى مقارنة سياسية. لكن بما أن كل شيء في العالم العربي ينبع من مؤامرة أو يؤدي إليها، فقد انقسم رد الفعل في مصر إلى قسمين: واحد يقول إنني طرحت الفكرة بإيحاء من اللواء عمر سليمان، الطامح ضمنا إلى الرئاسة، وواحد يقول إنني طرحتها بإيحاء من «النظام» الذي يريد أن يدرس «نوايا» عمر سليمان. وصرت كلما التقيت في المؤتمرات زميلا، من فريق من الفريقين، يطرح عليَّ سؤالا واحدا: لقد وعدت بأن هناك ثلاث حلقات حول الموضوع، فلماذا اكتفيت باثنتين؟

وبما أن نظرية المؤامرة متجذرة فلم يكن أي جواب حقيقي ينفع. والجواب الحقيقي هو أن ما عندي انتهى في حلقتين، وأن الثالثة كانت ستبدو تكرارا. وقلت لأحد الزملاء شديد الإصرار في دبي: إن لارشفوكو، أحد كبار مفكري فرنسا، كان يرتعد مثل الأطفال من فكرة عدم العثور على فكرة للمقال التالي، فكيف بغير الكبار؟

وإذ يثير الزميل سامي عمارة الأمر بعد محاكمة مبارك في قفص، وإلى جانبه علاء وجمال، ويغيب عمر سليمان في صمت طويل، أتمنى أن يكون الزملاء، الذين ألحوا في طرح الأسئلة، قد قرأوا رسالة سامي عمارة يوم السبت الماضي.. فالقراءة السياسية لا تتطلب عبقرية بقدر ما تتطلب واقعية وتخليا عن العند؛ لأن كل عند سخيف وخطر ومريع النتائج، على جميع الفرقاء، وليس فقط على الفريق المعني.

فالمقصود من الاقتراح يومها لم يكن، بأي شكل أو بعد أو هم، حماية الرئيس مبارك ومدلل العائلة من المصير الذي وقع، وإنما كان الهدف حماية مصر مما سيقع. فقد كنت أعرف، مثل ملايين الناس، إلا ضحايا العند في منزل مبارك، أن التوريث في مصر مستحيل، وأن المصريين لا يمكن أن يتحملوا 30 عاما من مبارك وفوقها خلافة من جمال، الذي كان آخر ما فعله أنه كتب لوالده خطاب التنحي الذي يقول فيه: «شهداؤكم» بدلا من «شهدائنا». وهذا ما يحدث عندما يختلط ضعف الأب بضعف الرئيس. أو هذا ما يسمى «ديكتاتورية الطوارئ». فعندما تترك كل شيء للحظة الأخيرة، يحدث غالبا ما يحدث في اللحظات الأخيرة: يفقد الرئيس صلته بالواقع، حتى لا يعود يدرك ماذا يعني أن يخاطب ملايين المطالبين بسقوطه بكلمة «شهدائكم» وكأنه يترفع عن نسب الذين قضوا إليه.

أحزن ما في المشهد الأبيض كان مشهد الأب في سرير ومن حوله ولداه، وجمال يحاول أن يحميه من الكاميرات.. بعد إيه ياخونا؟!