عزيزتي كلينتون.. حان وقت العمل

TT

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون كانت كالفرس الجامحة تسابق الريح في سرعتها ضد آل مبارك، كانت كلمة أميركا في ميدان التحرير جهورة الصوت لدرجة أننا شعرنا أن النظام المصري سقط قبل أن يصبح آيلا للسقوط. بدأت سلسلة التصريحات تصاعديا بإعلان كلينتون في أول أيام الثورة أن مصر مستقرة، وبعد أسبوع كانت تشجع على الإصلاح السياسي وأيدت خطوة تعيين نائب للرئيس، وما هي إلا أسبوعين حتى كانت وزيرة الخارجية في ميدان التحرير تهنئ الثوار المنتصرين.

20 يوما حسمت موقف كلينتون السياسي من ثورة 25 يناير تجاوبا مع صيحات ميدان التحرير. ولكن عجبا من هذه الفرس التي تحولت مع آل الأسد إلى قطة أليفة تموء مواء ضعيفا وهي تحك ظهرها على جدار حائط المبكى. إن تصريحات من نوع (بشار الأسد ليس رئيسا لا يمكن الاستغناء عنه) لا تتناسب مع المجازر التي يرتكبها بشار الأسد في حق السوريين منذ أشهر، وإن استطاع ميدان التحرير أن يشكل تحولا في موقف كلينتون فكيف لم تحرك حماه شيئا؟ بعض المعلقين يقولون إن السبب هو أن المصريين أسقطوا نظامهم ثم جاءت كلينتون لتبارك ثورتهم، وهذا صحيح لو كانت المواقف الأميركية أكثر قوة ولم تتمخض فقط عن عقوبات ناعمة كمنع السفر، أو تجميد أرصدة المقربين من الرئيس السوري، حيث عوضتهم عنها إيران في اليوم التالي. السبب كما هو معروف أن إسرائيل، التي تود أن يعمر النظام السوري مدى الحياة، لم تقبل بصدور أي تصريح أو موقف أميركي ضد النظام السوري يكافئ ما ترتكبه القوات الأمنية والعسكرية السورية كل يوم ضد شعب أعزل، حتى تستطيع أن تضمن الهدوء في هضبة الجولان كما ضمنته أربعين عاما، كما أنه أراحها من كابوس حماس التي أصبحت حركة سياسية بعد أن كانت مقاومة عسكرية.

تبدأ آلة القمع في المدن السورية عملها بعد صلاة الفجر كل يوم، وبعد كل صلاة تراويح مساء يودع السوريون بعضهم البعض لأنهم يظنون أنهم لن يحيوا ليلتقوا في تراويح الليلة التالية، يخرجون عزلا، ويختار الموت منهم من يختار عشوائيا، بدون أسباب ترجح اختياره، لا ذنب ولا شبهة ذنب. تنصب المدافع حول المدن وتضرب الأحياء السكنية عشوائيا عن بُعد، وهذه ليست وسيلة ملاحقة العصابات المسلحة التي يقول المحللون السوريون الموالون للنظام عنهم إن المسلحين يحشرون أنفسهم بين عامة الناس مما يؤدي إلى موت أبرياء أثناء تعامل القوات الأمنية معهم.

لا أعرف من أشار على بشار الأسد للقيام بمهمة رمضان العسكرية، ولكنها مشورة حمقاء على المستوى السياسي، لأنها ألّبت عليه العالم، العالم الصامت والنائم والطيب والشرس والقريب والبعيد، الكل أجمع على وحشية النظام السوري، باستثناء لبنان، ولبنان استثناء دائما، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك عضوية دولية ولكنها بنصف شعب.

فظاعة المشاهد طغت على المناورات السياسية والتذاكي في التصريحات الدبلوماسية، وأحرجت أصدقاء سوريا؛ الروس والصينيين، الذين كانوا يعملون بمثابة مكابح ضد أي موقف لا ينسجم مع دول المعسكر الشرقي أو مواليه. وجامعة الدول العربية، وللمرة الثانية منذ بداية ثورات 2011 انتظرت موقف مجلس التعاون الخليجي لتخرج وتعلن موقفها من خلال تكرار نفس التصريح الخليجي. الكل ينتظر: من يتشجع أولا ويقدم قدمه خطوة.

قد يكون من المستغرب القول إن كلمة العاهل السعودي الأسبوع الماضي حول الموقف من الأزمة في سوريا واستدعاءه للسفير السعودي في دمشق للتشاور أبهجت السعوديين أكثر من الشعب السوري المقموع نفسه الذي حاول في أكثر من لوحة مكتوبة أو بيان استدرار تعاطف الدول العربية معه. السعوديون يعرفون أن بلدهم مركز العالم الإسلامي، وأن ملكهم معروف بملك الإنسانية، وفي اليوم الواحد تعرض عليهم الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مرعبة لم تَرَ أعينهم مثلها من قبل تستفزهم عاطفيا وإنسانيا. كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز سكبت ماء باردا على حرقة في صدور المتابعين لمجازر النظام السوري التي لم تتوقف، فابتهجت الرياض في شوارعها بعد كلمة العاهل السعودي وخرج السوريون المقيمون والسعوديون إلى الشوارع يقدمون لبعضهم التهاني وكأنها ليلة العيد، وأن الأزمة فرجت. الحقيقة أن الأزمة لا تزال كبيرة وقائمة وطريق حسمها طويلة، ولكن على الأقل سمعنا صفارة انطلاق لتحرك دولي جاد، ليس فرديا كما احتكرته تركيا منذ بداية الأزمة السورية، لكنه عربي كذلك، فمهما كان لدى تركيا من أدوات ضغط على النظام السوري، وهي تملك منها الكثير، فهي ليست الوحيدة حول الطاولة التي لديها أوراق ضغط، وأضعف الإيمان الآن عقوبات اقتصادية على النفط والغاز، قبل الحديث عن أعظم الإيمان.

* كاتبة وأكاديمية سعودية

- جامعة الملك سعود

[email protected]