الخليج بين فكين

TT

ما اصطلح عليه بأنه ربيع العرب، قد لا يكون خيرا كله للخليج، ومن السذاجة أن نفكر ببعد واحد. البعد الآخر هو أن تتطور الاصطفافات السياسية المقبلة في الشرق الأوسط لتخلق تحالفات جديدة، قد تأتي بصراعات ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بنتائجها حتى الساعة، إلا أن التفكير المسبق فيها قد يفتح لنا أبوابا للنقاش الجاد.

الأنظمة العربية كلها تعيش تحت رادارات الإعلام الجديد، سواء أكان تلفزيونيا أو توتريا، وجماهيرها توافقت بشكل عام على مواجهة مشكلات أصبحت معروفة، إلا أنه لم يحصل حتى الآن، وربما إلى وقت متوسط، الاتفاق على حلول في كل بلد أصابها ربيع العرب.

ما يعنيني هنا ما حدث ويحدث في كل من مصر وسوريا على وجه الخصوص. فمصر بها تيارات سياسية كثيرة على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، كما أن هذا التنظيم له فاعلية قوية في الساحة السياسية السورية، وفي عدد آخر من البلاد.

حتى الآن يبدو أن بقية القوى السياسية متفرقة أو أقلية نخبوية، وربما متناقضة فيما بينها، فإن الأكثر احتمالا - إذا ما عرضت صناديق الانتخاب على الجمهور العام - في مصر أو الشام، أن يكون لهذا التنظيم حصة الأسد في التشكيل السياسي الجديد.

عدا ما سوف يفرزه هذا الاحتمال في الساحات العربية الأخرى المهيئة لنقل التجربة، ومع احتمال أن يتحول هذا الاجتهاد السياسي، أقصد الإخوان المسلمين، إلى فريق معتدل في السياسات العامة، مع تلك الاحتمالات فإن القياس على الماضي والسياسات التي اتبعتها تلك القوى يجعلنا نفكر في الاحتمالات المستقبلية.

ولأن المشكلات الداخلية، وخاصة الاقتصادية، ليس لها حلول سريعة أو ممكنة، فالأغلب الأعم أن تتوجه السياسات إلى الخارج أولا لإلهاء الجماهير، وثانيا لحشدهم لأكبر قدر من الوقت.

من هنا فإن الاحتمال الأكبر، أن يتكون في المستقبل تحالف (فاطمي، صفوي) لتقاسم أو الاشتراك في تقاسم المنطقة العربية، ولا أرى أن تركيا خارج هذا التقاسم، هذا التحالف يوجه الجماهير إلى قضايا كبرى عنوانها فلسطين والثروة، وخاصة الثروة النفطية. وكلا العنوانين جذاب للجماهير.

علاقة الإخوان المسلمين بالتوجهات الراديكالية في الممارسة الشيعية ليست جديدة أو مفاجئة. حسن البنا المنظّر الأساس للإخوان، كان يؤمن أن الخلاف بين المذهبين هو خلاف في الفروع، وليس في الأصول، وهو أمر محمود في السياسة بالطبع، إلا أن توظيفه تم باتجاه تحالف الانقلابيين.

يروي لنا الكاتب الإيراني أمير طاهري في كتابه «ليل فارس.. إيران في قبضة الخميني»، أن طليعة الثوار الإيرانيين قد تدربوا على تكتيكات الإخوان المسلمين في خمسينات القرن الماضي عند لقاء جماعات منهم في النجف، والعلاقة لم تنقطع بينهما في السياسة على الأقل منذ ذلك الوقت.

وفي التاريخ اللاحق، نرى أن جماعات الإخوان قابلوا انتصار الثورة الإيرانية بقيادة رجال الدين في إيران، كبشرى ومقدمة لاحتمال انتصارهم للوصول إلى الحكم. وعلى الرغم من أن الخليج قد قدم من خلال الجماعات الإخوانية للتنظيم العام الكثير من الخدمات، إلا أن الإسلام السياسي العربي قد أخذ موقفا مؤيدا للاحتلال العراقي للكويت في مطلع تسعينات القرن الماضي، ووجدوا فيه مقدمة لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، حيث نظروا إلى وجود صدام حسين في الحكم على أنه عابر.

موقف حكم الإسلاميين في السودان أيضا من الخليج يعطي مثالا آخر، ففي السنوات الأولى من استيلائهم على الحكم، وقفوا موقفا معاديا، وما إجارة أسامة بن لادن في الخرطوم وأيضا إجارة بعض عتاة الإرهابيين، مثل كارلوس، ما هو إلا مؤشر لهذا الموقف السياسي العام.

في مصر، ونتيجة لتأثير الإخوان على التوجهات الأولى للحكم الانتقالي هناك، ذهب أكثر من وفد إلى طهران حتى اليوم، تستكشف احتمالات التعاون بين تلك الجماعة في المستقبل والنظام الإيراني. يجمع إيران مع القوى الإسلامية السياسية العداء للغرب، هو جامع يعضده احتمال حصول إيران على الرادع النووي الذي سوف يصبح، في رأي تلك الجماعة، رادعا إسلاميا، كما ظُن سابقا، في الرادع النووي الباكستاني، كما يجمعها الموقف من إسرائيل والاستكبار العالمي، والمفهوم الأخير فضفاض يمكن أن يدخل في جناحه بعد الدول المحافظة.

في حال تحقق تحالف ما سميناه اصطلاحا (الفاطمي الصفوي) فإن خارطة الشرق الأوسط سوف تتغير إلى شكل مختلف لم تعهده منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

وسيكون الضغط على دول الخليج ضغطا من جانبين عربي وإيراني، خاصة أن ذلك التحالف يمكن أن يحمل معه العراق كما هو اليوم وأيضا سوريا كما هي في الغد، ويوضع تحت عناوين تحالف الثورات ضد المحافظين، الأمر الذي يلهب عواطف الجماهير ويلهيها في نفس الوقت عن الساحة الداخلية.

الحديث لم يعد نظريا، فهناك أقوال وأفعال؛ من الأقوال أن إيران هي قاعدة الشيعة في العالم المعاصر، ومصر قاعدة للسنة، وبتحالفهما يمكن أن يتكون محور يعادل من جهة جنوب أوروبا ويعادل أيضا جنوب شرقي آسيا ويضع ضغطا غير مسبوق على إسرائيل.

في الأفعال، لا يخفى الغزل الأولي بين الجماعات الإسلامية المسيسة وخاصة الدولية، وبين طهران وحلفائها إلى درجة التنسيق العام في الإعلام العالمي، وأيضا حجب كل الخلاف الذي قد يظهر، كما حدث لإعلان القبض على جاسوس إيراني في القاهرة، ثم اختفاء الحديث عنه وكأنه لم يكن.

وليس خافيا الآن في بعض الدوائر المصرية ما تلمّح إليه من عداء أو اختلاف مع دول الخليج إلى درجة اتهام بعضها بأنها تحرض بعض الجماعات في الداخل المصري، أما العداء الإيراني لدول الخليج فليس قابعا في ظل التلميح، بل تعداه إلى تصريح واضح.

صناديق الانتخاب التي سوف توضع في مصر خلال الشهور المقبلة سوف تكون تاريخية لأن الإقبال عليها سيكون كثيفا. ففي السنوات الأخيرة كان ربع أو أقل من ربع من يحق لهم التصويت في الانتخابات المختلفة يهتمون بالتصويت، حيث أشاعت ممارسات التزوير وشراء الأصوات والتخويف جوا من العزوف الشعبي، في التصويت الأخير على تعديل بعض نصوص الدستور المصري ارتفعت النسب كثيرا، ويرى المراقبون أنها سوف تكون بنسبة أكبر في الانتخابات المقبلة. هذا يعني قلب الصورة تماما لصالح الإسلام السياسي وما يراه من سياسات، أخذ العدة لها بإفراز أحزاب قريبة منه.

الجواب الممكن لدول الخليج للخروج من بين الفكين، يأتي من جانبين، الأول الشروع في إصلاحات سياسية مستحقة، وهو أمر لا يخفى على المطلعين، والثاني الشروع في تشكيل الكونفدرالية التي سوف تعضد الاقتصاد كما تدعم السياسة، وهما طرفا مشروع استحق الآن أن يوضع على سكة التنفيذ.

لا أعرف ما إذا كان أحد قد بدأ يفكر في هذا التطور الاستراتيجي في فضائنا العربي، أم تراه يترك للزمن ومصادفاته!

آخر الكلام:

تم تعديل قانون الانتخاب لمجلس الشورى الإيراني، الذي سوف يتم في الثاني من مارس (آذار) 2012، حيث قرر مجلس صيانة الدستور، أن من شروط الترشيح أن يكون المرشح حاصلا على شهادة الماجستير، ولكنه أفتي أيضا أن كل من أكمل دورة واحدة عضوا في المجلس يعد بمثابة حاصل على الماجستير!

عجبي!