نعم أحبه وأحتقره!

TT

الذبابة تقع في العسل.. وتحاول الخروج من العسل مع أنها تحب العسل.. ولكنها لا تحب أن يمسك العسل بأرجلها ويجعلها عاجزة عن الحركة.. ولا تزال تقاوم وتقاوم حتى الموت.. تموت أحلى ميتة..

ولكن العسل الذي تحبه قاسٍ عليها كأنه وحش قاتل لا يزال يقتلع أرجلها وأجنحتها حتى يجردها من كل عناصر الحياة.. مع أن العسل هو حياتها.. هو جنتها.. هو فردوسها الذي تحلم به.. ويتحول الفردوس إلى كفن.. إلى نعش.. إلى قبر.. وهذه الذبابة تحب العسل.. وتحتقره.. وتكرهه.. وتحبه.. فهذا العجوز يجب أن يجعل كل عواطفه ملفوفة.. ففي هذا النايلون الأسود.. حب مع الاحتقار.. مع الاحتقار لشخص المحب وللشخص المحبوب.. هل فهمت؟ إيه تاني عايز تعرفه مني وعني؟

قلت: والحل؟.. وكان ردي: حل إيه؟ قلت: هل هذه العقد؟

ورددت: كل هذه العقد لا يمكن أن يكون لها حل.. وأنا لا أفكر في حلها.. وإنما أتركها تحل نفسها بنفسها.. وأنا أفضل أن أعيش في فرن من الانفعالات الشديدة التي تجعل أعصابي تذوب ودموعي تسيل وعيني في لون الشفق.. على أن أعيش وأموت جامدا.. أفضل أن أتحول إلى ذرات كالجبل على أن أبقى صحراء مفككة كلها رمال وليس لها شكل ولا حجم ولا أول ولا آخر!

إنني لا ألوم النار ولا ألوم نفسي..

قلت: ولا تلوم الاحتقار.. احتقارك لنفسك.. أو لغيرك.. ولا مانع عندك من أن تكون كهذا العجوز.. يلعب بالكرة أو البلي.. أو البزازة.. أو تلعب به الكرة والبزازة.

وكان ردي: عندي مانع.. عندي مانع أن أصبح كيسا من النايلون الأسود وليس في داخله أي شيء.. عندي مانع أن يكون كل شعوري هو احتقاري لنفسي أو لأي إنسان..

قلت: اسمع، أنت مش معقد شوية؟!

ورددت: كل إنسان كده!

قال: كده يعني إيه؟

وكان ردي: طبعا أنت تعرف الذي سأقوله.. وهو أنه لا يهز الدنيا غير الأشياء الصغيرة. إنها تهد الجبال.. النار التي تذيب الحديد!