بدء المحكمة ونهاية المسلسل

TT

الذي حدث في مصر بعد ظهر الأحد الماضي، كان قرارا حضاريا، ملحقا بقرار قانوني: القرار القانوني كان محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك بتهم تتراوح بين إعطاء الأوامر بالقتل وبين الفساد المستمر والمتمادي. القرار الحضاري كان وقف البث التلفزيوني للمحاكمات وترك القضية حيث يجب أن تكون: في يد القضاء والعدالة.

في إمكان الناس أن تعود إلى أعمالها، فيما ينصرف رجال القانون، بكل حرية، إلى العمل على أهم قضية في تاريخ مصر منذ إلغاء «قانون الامتيازات» بعد ثورة 23 يوليو (تموز). وللذين لا يذكرون ذلك فهو «القانون» الذي كان يقضي بمحاكمة الأجانب أمام محاكمهم الخاصة، في ممارسة استعمارية لم تعرف في بلد آخر.

لا امتياز في القانون ولا كبير أمام العدالة. لكن العدالة ليست أيضا برنامجا تلفزيونيا وإنما هي ممارسة أخلاقية. وليست سبيلا إلى الثأر بل إلى الثقة. وليست طريقا إلى التفرقة بل إلى حمل جميع الفرقاء في المجتمع الاطمئنان على أن ثمة مرجعا واحدا في نهاية المطاف، هو القانون وبنوده ونصوصه.

تتجاوز صحافة مصر منذ تنحي مبارك جميع القواعد. تصدر في حقه الأحكام والإدانات. تعامله في الرسوم الكاريكاتيرية بأساليب خالية من كل لياقة وتورع، وتكتب فيه أنواعا من «القصائد» الشعبية القائمة على الشتم والردح والخلو من الظرف. وهذا كله مسيء إلى مصر وليس إلى حسني مبارك. ومخالف لكل قانون مرئي، ما دام الرجل لم يدن بعد.

وهذا لا يعني أن على الصحف أن تصمت أو أن تهلل لرجل محال إلى المحاكمة. أو لرجل ربطت قضيته بقضية حبيب العادلي، نموذج الرعونة والعجرفة في السنوات الأخيرة. لكن لا يعني أيضا أنه يجوز أن تتحول كل مصر، كما هي الآن، إلى جوقة إنكار وتنصل وتحقير، فيما لا تزال احتمالات البراءة ممكنة أمام الرجل.

طبعا لو خرج بريئا فسوف يخرج محطما. والأرجح أن أحكاما كثيرة سوف تصدر في حقه، لا تكفي لرجل في الثالثة والثمانين أن يقضيها. ولكن الدولة المصرية تتصرف أفضل بكثير من بعض الرأي العام. يكفي هذا العالم العربي أن مبارك لم يحل إلى محكمة عسكرية أو ثورية أو عرقية. لقد أحيل إلى محكمة عادية، مليئة بالمحامين، دفاعا وادعاء، وترك لخبراء القانون والأدلة أن يقضوا فيما هو منسوب إليه.

ولم يعد مهما جدا نوع الحكم الذي يصدر. فثمة عهد انتهى، للأسف، على نحو مأساوي. بدأ على منصة اغتيال وانتهى على منصة المحكمة. ومن المحزن أن تعامل بعض الصحف المسألة على أنها مهزلة كاريكاتيرية. إنها مأساة.