«داودية» أوغلو.. تعويم أم إنقاذ؟

TT

الطبخة الداودية بشأن الأزمة السورية التي تم التحضير لها في مكتب رئيس الوزراء التركي التابع لقصر «دولمه بهشه»، مكان إقامة آخر السلاطين العثمانيين، قد تكون طبعا تركية المذاق، لكن الطباخين الذين شاركوا، بشكل أو بآخر، في إعدادها ينتمون إلى أكثر من بلد عربي وعاصمة غربية لناحية عدم التردد في توفير الدعم اللوجيستي، وتقديم الاقتراحات والتوصيات عند الضرورة.

الأكلة التي حملها «الخوجه» إلى دمشق قد تخرج سوريا من محنتها، لكننا لا نعرف ما إذا كانت ستطال النظام والقيادة السورية الحالية وتمكنها من البقاء في السلطة بعد كل ما جرى من قتل وتدمير واعتقالات وإهانة للكرامات. فالإقرار بأخطاء ارتكبت والتراجع عن مصطلح «الشأن الداخلي» السوري المحظر على أي كان الاقتراب منه، وإصدار أوامر البدء بسحب الدبابات والأسلحة الثقيلة من حماه، والسماح للسفير التركي في سوريا أن يكون شاهدا على قرار تنفيذ ما اتفق عليه هو ووفود إعلامية تحضر من تركيا لنقل الأجواء كما هي على الأرض، كل هذا يعكس أن مسألة عدم السكوت على ما سيقوله داود أوغلو، والاستعداد لتلقينه الدرس المناسب؛ بسبب ازدواجية المواقف التركية التي كانت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان تلوح بها دائما، يبدو أنه أرجئ إلى مكان وزمان آخر، على الرغم من أن داود أوغلو قال كل ما عنده وكل ما كلف بنقله باسم الحكومة ورئاسة الجمهورية التركية.

فما الذي حمله داود أوغلو للسوريين؟

مع بروز الخطة التركية إلى العلن نتعرف يوما بعد آخر إلى المزيد من التفاصيل والخبايا:

- اكتشفنا أولا أن وليد جنبلاط كان عرابا، نجح بامتياز في حمل الرسائل بين أكثر من عاصمة، وفي نقل الكثير من تفاصيل الخطة التركية المدعومة، حتى من روسيا التي غيرت في مواقفها قبل ساعات من ولادة الخطة.

- اكتشفنا ثانيا أن أنقرة ستبذل ما بوسعها لإبعاد شبح السيناريو الليبي عن سوريا، لكن ذلك لن يعني التمسك ببقاء نظام الرئيس الأسد في السلطة، فالمطالبة باعتقال ومحاكمة المتهمين بإعطاء الأوامر لقتل المدنيين العزل وتدمير الأبنية على سكانها، مادة أساسية في الاتفاقية حتى ولو تساهلت تركيا بشأنها فإن الرأي العام العالمي والكثير من الدول والمنظمات لن تهادن فيها.

- تبين لنا أيضا أن أردوغان، الذي لا يريد أن يقع في الفخ مرة جديدة، يواصل إطلاق قذائفه السياسية ويتمسك بعدم تغيير أسلوبه ولهجته إلى أن تكتمل عملية تنفيذ التعهدات والالتزامات: «سوريا تصوب مدافعها على أبناء شعبها»، غير عابئ بترحيب وزير خارجيته بشروع الدبابات السورية في مغادرة بعض المدن، وإشارته إلى أن هذا ستتبعه خطوات عملية وميدانية أخرى.

- تأكد لنا أن تركيا التي تغامر وتعرف أنها ستدفع الثمن إذا ما ظهرت كمن يقف إلى جانب النظام ويحاول تعويمه، لن تتردد في الانقلاب على القيادة السورية والتخلي عنها إذا ما شعرت بأن ما يجري هو مجرد محاولة لكسب الوقت؛ استعدادا لمرحلة جديدة من القتل والتدمير. فحبل الإنقاذ الذي وضعته أنقرة بيد القيادة السورية هو الفرصة الأخيرة التي قد لا يحظى النظام بمثلها مرة أخرى.

- نتوقع أن الذي حدا بالقيادة السورية إلى فتح الأبواب على مصراعيها أمام داود أوغلو هو حقيقة أن النظام - أمام كل هذه الضغوطات العربية والدولية، وردود الفعل المتزايدة حيال ما يجري داخل المدن السورية - وجد نفسه بين خيارين لا ثالث لهما؛ إما قبول طوق النجاة الذي حمله الدبلوماسي التركي، أو أن يتحمل وزر تخلي أحد أهم أصدقائه وشركائه عنه، ويترك في مواجهة العواصف والأعاصير التي ترصد الكثير من الجهات والمراكز اقتراب موعدها.

- نعرف الآن أيضا أن الطبخة التركية هي تعويمية، وتحويلها إلى إنقاذية هو بيد دمشق وحدها، على الرغم من أن الكثيرين يتحدثون عن صعوبة إعادة المياه إلى سابق عهدها بعد هذه الساعة.

نتمنى، أخيرا، أن لا تقول لنا القيادة السورية إنها قبلت الخطة التركية فقط لإنقاذ تركيا من ورطتها المحتملة؛ بسبب ارتدادات المأزق السوري على الجار التركي، أمنيا وسياسيا، أو لمساعدة حكومة رجب طيب أردوغان في الرد على مشاريع غربية بدأ الترويج لها، حول أن أفضل سيناريو لإنهاء الأزمة السورية هو الشروع في عملية عسكرية واسعة تقوم بها تركيا داخل أراضي الجار السوري.

مر أكثر من أسبوع على زيارة داود أوغلو إلى دمشق ولا يلوح في الأفق التزام كبير بما قاله وزير خارجية تركيا أنه اتفق عليه مع النظام السوري.