أين هو رأس الحسين؟!

TT

هناك مثل سخيف يقول: (الجنازة حامية والميت كلب)، غير أن هناك مثلا ألطف يقول: (يشوفون القبة يحسبونها مزار)، وذلك كناية عن أن ليس كل قبة تحتها ضريح رجل صالح. وهذا في ظني ليس مقتصرا فقط على (القبب والأضرحة)، ولكنه ينسحب وينطبق أيضا على الأسماء والشخصيات كذلك.

ما علينا، المهم أنني قرأت أنه منذ زمان مضى - وأعتقد أنه في نهاية الثلاثينات الميلادية - أن هناك سيدة عجوزا ألمانية كانت مسافرة من (درسدن) إلى (فيينا) فمرضت أثناء الطريق، ولما وصل القطار إلى بلدة في (تشيكوسلوفاكيا) نقلت إلى مستشفى هناك ثم ماتت بعد ساعة. وقد أرسلت برقية إلى أسرتها في برلين لإخبارها بوفاتها. وبعد أربعة أيام انقضت في الإجراءات المعتادة وصلت جثتها في تابوت إلى برلين، ولكن ما كان أشد دهشة ذويها حين فتحوا ذلك التابوت، فإذا بفقيدتهم وقد انقلبت ضابطا إيطاليا بملابسه الرسمية. وفي الحال أرسلوا برقية إلى ذلك المستشفى الذي في تشيكوسلوفاكيا يقولون فيها: «تسلمنا التابوت فوجدنا فيه جثة ضابط إيطالي.. فأين مدام فينر؟» فجاءهم الرد يقول: «غلطة نأسف لها. مدام فينر أرسلت إلى بولونيا». فبعثوا ببرقية إلى السلطات في هذه البلدة الإيطالية، وإذا بالجواب يبعث على العجب فقد جاء فيه: «أدفنوا الضابط بسكون فقد دفنت مدام فينر هنا بحفلة عسكرية عظيمة وألقيت الخطب على قبرها باعتبارها ضابطا كبيرا توفي». فلم يجد أهل مدام فينر بدا من أن يعملوا بتلك البرقية ثم سافروا إلى بولونيا ليزوروا القبر الذي دفنت فيه فقيدتهم، والناس في عجب من أولئك الألمان الذين يزورون قبر ضابط إيطالي لا يعرفونه.

وإلى يومنا هذا لا يزال القبر في (بولونيا) الإيطالية يزار وتوضع عليه الزهور في المناسبات الوطنية على أساس أنه قبر الضابط العبقري الذي تفخر به إيطاليا، وهو في الواقع لا يحتوي على غير رفات مدام (فينر).

وهذا ذكرني - مع الاختلاف الشديد - بمقتل ومدفن (الحسين) رضي الله عنه.

فمن المعلوم أن جسده دفن في (كربلاء)، غير أن رأسه الشريف اختلفوا في مدفنه، فأين هو رأس الحسين؟!

أهل العراق يقولون إنه عاد إليهم من دمشق ودفن مع الجسد مرة أخرى، وما زالوا بعد يوم عاشوراء بأربعين يوما يرتبون مسيرة حاشدة يسمونها (مردّ الرؤوس)، في الوقت الذي يصر فيه أهل الشام على أن الرأس ما زال مدفونا عندهم وعليه ضريح يزار.

ودخل على الخط فيما بعد الفاطميون عندما كانوا يحكمون بلاد المغرب ومصر، وقالوا: بل إن الرأس أتى إلى مصر ودفن فيها، وها هو ضريحه في مسجد الحسين تقام له الزيارات، ويتقاطر القوم عليه على (مدار الساعة) لأخذ الكرامات والتبريكات وطلب الشفاعات.

فليت شعري، أصدق من، وإلا من، وإلا من؟!

[email protected]