الحكومة وراء الأزمة الاقتصادية هذه المرة

TT

ما الذي يحدث بحق السماء؟ لقد اعتقدنا أننا تجاوزنا الأسوأ، لكن هذا لم يحدث. ويعود هذا إلى حد بعيد لقيام وكالة «ستاندرد آند بورز» بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الذي كان سببه عدم كفاءة قادة أمتنا المزعومين. منذ ثلاثة أعوام، كان النظام المالي العالمي على حافة الهاوية بعد إشهار إفلاس مصرف «ليمان براذرز» في سبتمبر (أيلول) 2008. وقد بدا أن هذه الأوقات المرعبة قد ولت في ربيع عام 2009، لكن تبدو الأمور أكثر رعبا الآن. وتختلف الفوضى الحالية عن الرعب الذي أثاره سقوط «ليمان براذرز» لأنها تنبع في الأساس من السياسة وليس الاقتصاد. لقد سيطر علينا الخوف في السابق بعدما أدى إفلاس مصرف «ليمان براذرز» إلى انتشار الفوضى في الأسواق المالية بشكل غير متوقع. وفي واقع الأمر، كان يمكن تجنب الفوضى التي حدثت اليوم بشكل كامل، ويمكنك أن تعزي هذه الفوضى بشكل مباشر إلى الحمقى الذين ذهبوا باقتصادنا إلى حافة التخلف عن سداد الديون بحجة إنقاذنا من.... في الواقع، لا أدري إنقاذنا من ماذا!

بالطبع، يتحمل حزب الشاي مسؤولية أساسية في ذلك، ولكن لم يكن بإمكانهم القيام بذلك دون جبن وعدم كفاءة إدارة أوباما التي تركت الأمور تخرج عن السيطرة. إنني أشعر بالغضب من هذا الفشل برمته، ويجب أن يكون هذا شعور أي شخص يريد للولايات المتحدة أن تكون دولة حقيقية لا مجرد دولة فاشلة تتم إدارتها من قبل جماعة متعصبة يكره كل منهم الآخر.

والسؤال الآن هو: لماذا أقول إن اليوم أكثر رعبا من عام 2008-2009؟ والإجابة هي أنه ليس لدينا مؤسسات مالية متعثرة فقط هذه المرة، ولكن لدينا أيضا دول كبرى تواجه خطر التخلف عن سداد الديون، بما في ذلك الولايات المتحدة. لقد كان الموقف سيئا بالفعل وذلك بسبب الخوف والضعف المالي لأوروبا، ولكن تفاقمت المشكلة بسبب قيام وكالة «ستاندرد آند بورز» بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في الخامس من شهر أغسطس (آب)، وكان لهذه الخطوة ما يبررها. لقد كان الاقتصاد الأميركي ضعيفا بما فيه الكفاية، حيث كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بالكاد - وربما حتى يتقلص في بعض الأحيان - بالإضافة إلى البطالة طويلة الأجل التي وصلت إلى معدلات قياسية. (انخفضت نسبة البالغين الأميركيين العاملين من 64.7 في المائة في عام 2000 إلى 58.1 في المائة، وفقا لما أعلنه مصرف الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، وهو ما يعد معدلا غير جيد بكل تأكيد). وثمة خوف من أن تسوء الأمور - لا أن تتحسن - نتيجة للبغض والانقسام السياسي.

والآن، إليكم بعض الحقائق: إن قيام وكالة «ستاندرد آند بورز» بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة لا ينبع من - كما يكرر بعض الحمقى المشبعين بالكراهية - الخوف من «إفلاس» البلاد أو افتقارها إلى القدرة المالية على الوفاء بالتزاماتها، ولكنه يعود في الأساس إلى غياب الإرادة السياسية الأميركية اللازمة لسداد ديونها. اقرأ بنفسك التحليلات على standardandpoors.com/ratings/us-rating-action/en/us

في الواقع، لا يمكن أن نعزي تفاقم مشاكلنا إلى أنجيلو موزيلو، رئيس مجلس الإدارة السابق لمؤسسة «كانتريوايد فاينانشيال» أو إلى مصرف غولدمان ساكس أو إلى هؤلاء الذين عادة ما تتجه إليهم الأنظار في مثل هذه المواقف مثل: وول ستريت بشكل عام والمقرضين والمضاربين الجشعين والمقترضين غير المسؤولين.

تكمن جذور المشكلة الحالية في عدم وجود مسؤولين كبار وحكماء في المناصب التي تتمتع بسلطات خطيرة في واشنطن. في الحقيقة، لم أشعر بمثل هذا الشعور من قبل - مع العلم بأنني أكتب أخبارا اقتصادية منذ أكثر من 40 عاما ومقالات حول الموارد المالية الوطنية منذ أكثر من عشرين عاما.

أنا لا أقوم، بكل تأكيد، بتأليه المؤسسات في واشنطن، حيث إنني سبق ووصفت رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق آلان غرينسبان بـ «ساحر أوز» عندما كان يعرف باسم «المايسترو». وقلت لأكثر من عقد من الزمان إن الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي ليس له أي قيمة اقتصادية وأصبح عديم الفائدة عندما تحول التدفق النقدي للنظام إلى السالب - وهو ما توقعته أيضا. وعلى الرغم من ميلي دائما إلى الشك، لم أشعر أبدا بأنه كان هناك غياب تام للرقابة في واشنطن، ولكني أصبحت أشك في ذلك الآن.

لقد قضيت شهر يوليو (تموز) في إجازة عائلية بعيدا عن كتابة الأعمدة وأراقب بفزع ما يحدث، حيث وضع الأميون الذين لا يعرفون شيئا عن السوق - بإيعاز من قادة الحزب الجمهوري (الذي أصبحت على وشك الاستقالة منه) والسخافة التي لا توصف للرئيس أوباما وأتباعه - البلاد على بعد شبر واحد من التخلف عن سداد ديونها.

واعتقد الساسة الحمقى في واشنطن أنهم قد طمأنوا الجميع عندما تجنبوا التخلف عن سداد الدين من خلال التوصل إلى اتفاق بتقليص الدين، وهو ما يعد شيئا سخيفا يدفعك إلى الضحك عندما تفكر مليا في الأمر. وبعد ذلك، قامت وكالة «ستاندرد آند بورز» بما حذرت منه في وقت سابق عندما أصبح واضحا أن الولايات المتحدة قد قررت عدم دفع الديون المستحقة عليها. وقامت الوكالة بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من (AAA) والذي كان من المفترض أن يكون صلبا وقويا.

أنا لا أحب وكالة «ستاندرد آند بورز» أو منافسيها «موديز» و«فيتش»، لأن نفوذ هذه الوكالات قد تجاوز اختصاصها بكثير؛ ولذا يتعين تجريدها من مكانتها التنظيمية الخاصة بسبب تقييمات (AAA) التي أنعمت بها على الأوراق المالية التافهة المدعومة بالقروض العقارية والتي أسهمت بقدر كبير في الانهيار المالي.

ومع ذلك، فأنا أكن كل الاحترام لوكالة «ستاندرد آند بورز» لوقوفها بثبات وتنبيهها المستثمرين بأن الشيء الذي كان لا يمكن تصوره في السابق - عدم قدرة الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة في العالم التي يمكنها استخدام العملة الخاصة بها لدفع الدين الخارجي، على سداد ديونها - قد أصبح ممكنا. وقد أبقت كل من «فيتش» و«موديز» على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة عند (AAA)، وأنا متأكد من أن هذا لن يحدث.

وبالإضافة إلى الشعور الحالي بحدوث كارثة، على الأقل بالنسبة لي، لا يجب أن ننسى حقيقة أن الاحتياطي الفيدرالي يخضع لقيود قانونية من خلال أحكام قانون دود فرانك التي قليلا ما يتم الاعتراف بها خارج العالم الخاص بالمنظمين والتقنيين الماليين.

وبالعودة مرة أخرى إلى عام 2007، استطاع الاحتياطي الفيدرالي ابتكار برامج لإنقاذ المؤسسات القادرة على إيفاء ديونها ولكنها لا تملك من السيولة ما يمكنها من ذلك، كما استطاع أن يحول المصارف الاستثمارية مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي إلى شركات مصرفية قابضة مع الحصول على تمويل غير محدود من الاحتياطي الفيدرالي - وحتى ضخ الأموال في المجموعة الأميركية العالمية بطرق مباشرة وغير مباشرة لمنع الانهيار الذي لا يمكن التحكم فيه.

لقد أدت الإجراءات التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي إلى ظهور مجموعة من المشكلات (مثل معاقبة المدخرين الحكماء عن طريق فرض أسعار فائدة منخفضة للغاية من أجل مساعدة المقترضين الحمقى والاقتصاد الكلي)، والتي كتبت عنها بشكل مطول. ولكن بمجرد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي العمل في صيف عام 2007، عرف المرء أن هناك مؤسسة من حوله يمكنها إنقاذ العالم، إذا لزم الأمر. والآن، على الأقل من الناحية النظرية، فإن المؤسسة الحكومية الوحيدة التي من المفترض أن تقوم بهذا النوع من الأشياء هي المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع.

إنني أكن كل الاحترام لهذه المؤسسة والتي لا تحظى بنفس النفوذ والمكانة الدولية التي يتمتع بها الاحتياطي الفيدرالي. عذرا إذا كنت غاضبا، ولكن انظروا إليّ على أنني شخص معتدل غاضب قد ضاق ذرعا من جنون وعدم كفاءة قادتنا المزعومين - ومن أولئك الذين يثيرون المتاعب حتى يستفيدوا من الناحية السياسية والمالية.

إن بعض السياسات والتصريحات التي تسمعها من حزب الشاي حول الاقتصاد وأسواق الديون تتسم بالجنون التام، ولكن إذا ما نحينا ذلك جانبا، فإن أعضاء حزب الشاي لديهم رسالة معينة، وهو ما تفتقده إدارة أوباما التي لا تعرف حتى كيف تروج للأخبار الجيدة والسارة. على سبيل المثال لا الحصر، تم تكليفي خلال هذا الربيع بحساب ما سيخسره دافعو الضرائب نتيجة لبرنامج إغاثة الأصول المتعثرة ودهشت عندما اكتشفت أنه قد تم تصميم البرنامج لتوفير الأموال لدافعي الضرائب.

وأثناء بحثي وجدت أن وزارة الخزانة قد وصلت إلى نتيجة مماثلة ولكنها نشرت هذه المعلومات بطريقة سيئة لدرجة أن عددا قليلا جدا من المواطنين هم من علموا بها. لماذا لم تقم إدارة أوباما بنشر الخبر من خلال القول بأن دافعي الضرائب قد قدموا الأموال لإنقاذ النظام المالي العالمي؟

إن النعمة الوحيدة التي لا نزال نتمتع بها اليوم هي أن بقية العالم يبدو وكأنه يدار من خلال مجموعة من الأقزام. أنا لا أريد أن أفكر فيما كان سيحدث لو أنه كان يتعين على الولايات المتحدة، وهي في حالة الفوضى الحالية، أن تتعامل مع أشخاص من نوعية ماو أو هتلر أو ستالين في ذروة نفوذهم.

والآن وبعد أن انتهيت من التنفيس عما يدور بداخلي، اسمحوا لي أن أقوم بمحاولة أخرى لإظهار السهولة التي يمكننا بها حل مشاكلنا مع السماح لكل من حزب الشاي واليساريين بادعاء النصر. وهذا يتطلب: (1) أن ننجو من الدورة الانتخابية لعام 2012. (2) أن يعترف الفائزون بأن معدلات وقواعد ضريبة الدخل وصيغة الاستفادة من التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية هي عبارة عن نكبات تاريخية وسياسية وليست أشياء مقدسة نزلت على موسى من قبل الرب على جبل سيناء.

إننا بحاجة إلى المزيد من الوظائف والمزيد من النمو والمزيد من العائدات الضريبية، علما بأنني قلت المزيد من العائدات وليس المزيد من المعدلات الضريبية المرتفعة. هناك الكثير من الاقتراحات التي من شأنها أن تعمل على تخفيض أسعار الفائدة وتقضي على الحد الأدنى من الضرائب البديلة وتوسع القاعدة الضريبية عن طريق تخفيض الاستقطاعات المفصلة.

يقوم نحو ثلث دافعي الضرائب فقط - الفئات ذات الدخل المرتفع في المقام الأول - بتحرير الخصومات بشكل تفصيلي، ولذا فإن هذه الفئة هي التي ستتأثر دون غيرها. وإذا ما تم ذلك بشكل صحيح، فسوف ترتفع العائدات من الفئات ذات الدخل المرتفع (وهو ما سيؤدي إلى سعادة من يطالب بفرض ضرائب على الأغنياء) ولكن بمعدلات منخفضة (وهو ما سيمكن حزب الشاي من ادعاء النصر).

أما على صعيد الاستحقاقات، فإننا نقوم بتعديل أشكال الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وفرض نفقات أعلى على المتقاعدين (وهي الفئة التي ستشملني إذا ما تقاعدت في أي وقت). ويرى المتعصبون اليمينيون أن هذه البرامج تهدف إلى تخفيض التكاليف، أما بالنسبة للجناح الليبرالي فيمكنه ادعاء النصر، لأن الناس يعيشون حياة أطول مما كانت عليه عندما تم وضع هذه البرامج وسوف يجنون المزيد من الفوائد على مدى حياتهم.

لقد أصبحت العقلانية خروجا عن النص وأصبح التعصب هو الوضع الطبيعي والسائد، ولكن هل نريد حقا حياة مثل تلك التي كنا نعيشها خلال السنوات القليلة الماضية والتي كانت تمتلئ بالصراخ والضجيج بدون أي تفكير؟ إن مشاكل اليوم رهيبة، ولكن ماذا تكون تلك المشاكل بالمقارنة بالحرب الأهلية والكساد العظيم والحرب العالمية الثانية؟ كفانا صراخا، أما بالنسبة لي، فأنا ذاهب إلى الشاطئ لإنهاء إجازتي.

* كبير محرري مجلة «فورتشن» الاقتصادية الدولية

* خدمة «واشنطن بوست»