«غوغل» تتجه إلى تسويق الأجهزة

TT

«حرِّك بتات، وليس ذرات»

كان هذا شعارا مميزا لعصر الإنترنت صاغه نيكولاس نيغروبونتي، وانتشر عبر كتابه «الحياة الرقمية» الذي حقق أعلى مبيعات عام 1995. وكان نيغروبونتي، مؤسس معمل الإعلام بمعهد ماساشوستس للتقنية، يقول إن الابتكار والثروات ستتحقق بمعدلات أعلى من خلال القيام بأشياء خيالية اعتمادا على عناصر أساسية في مجال الحوسبة - كلمة «بتات» ترمز إلى الأرقام الثنائية في مجال الحوسبة - بدلا من العمل مع «ذرات» العالم المادي.

ولا توجد شركة اتبعت هذه النصيحة مع التحلي بالعزم وبصورة حققت أرباحا كبيرة أفضل من شركة «غوغل». ويعد عملاق البحث الشركة الرقمية التي تحتل القمة - ويتمثل أصلها الثمين في خوارزمياتها. وكما كتب ستيفن ليفي في كتابه «في بلكس»، فإن حامض الشركة النووي «يكمن في أولوية خوارزميات» ويؤمن قادتها الشباب «بمستقبل تحكمه خوارزميات خيرية».

ولكن أعلنت شركة «غوغل» الأسبوع الماضي أنها ستدفع 12.5 مليار دولار مقابل «موتورولا موبيليتي»، الشركة المصنعة للتليفونات الذكية. ويعد ذلك رهانا كبيرا وخطوة في العالم المادي الفوضوي الخاص ببيع منتجات للأشخاص.

ويقول محللون إن «غوغل» تعترف بأن رخاءها سيعتمد على التميز في «الذرات» و«البتات»، على السواء. ويضيفون أن هذه هي الحالة في أسواق النمو الجديدة للإعلان البحثي على التليفونات الذكية والأجهزة اللوحية، حيث يجب الجمع بين البرامج والأجهزة بسلاسة لإرضاء خبرة المستهلك.

ويبدو أن المستقبل الرقمي سيعتمد على التزاوج مع العالم المادي أكثر من السيطرة عليه. ويقول إريك برينجولفسون، مدير مركز الأنشطة الرقمية بمعهد ماساشوستس للتقنية: «هذا التفرع الثنائي للبتات والذرات يصبح واقعا أقل. وتدرك غوغل أنها في حاجة إلى معرفة أعمق بتصميم المنتج والأجهزة للحصول على أكبر قيمة من نشاطها والبحث والإعلانات على محرك البحث».

ومن المؤكد أن شركة «غوغل» تشتري «موتورولا موبيليتي» لما هو أكثر من اكتساب خبرة في تصنيع أجهزة الهاتف. وتحوز شركة «موتورولا» أكثر من 17,000 براءة اختراع، وربما تكون هذه المحفظة حصنا جيدا ضد مزاعم انتهاك براءات اختراع. وخلال الفترة الأخيرة، انتشرت في القطاع الكثير من الدعاوى القضائية والدعاوى المضادة، حيث وصلت المنافسة في السوق إلى المحاكم. واتهمت «أبل» و«مايكروسوفت» و«أوركل»، في قضايا مختلفة، شركة «غوغل» أو الشركات التي تستخدم نظام «أندرويد» لتشغيل التلفونات الذكية، بما في ذلك «موتورولا»، بالتعدي على براءات اختراعهم. وربما تكون براءات الاختراع الجائزة المتضمنة في صفقة «موتورولا» وتقوم شركة «غوغل» ببيع شركة التليفونات في وقت لاحق.

ولكن في تدوينة، أكد الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل» لاري بايدج على فرص العمل المطروحة. وكتب قائلا: «سنخلق سويا خبرات مدهشة للمستخدمين تقوي من النظام الأيكولوجي لـ(أندرويد)».

وقد برهن «أندرويد» على أنه يحظى بشعبية كبيرة لدى الشركات المصنعة للتليفونات، كما أن حصته السوقية من التليفونات الجديدة المبيعة أعلى من «أبل»، الرائدة في التلفونات الذكية. ولكن ترخص «غوغل» نظام «أندرويد» لـ39 شركة مصنعة للأجهزة في مختلف أنحاء العام. ونظام التشغيل هذا مجاني ومصدر مفتوح، مما يعني أن الشركات المصنعة يمكنها تعديل البرنامج.

ويأتي انفتاح شركة «غوغل» مقابل تكلفة، وتختلف التليفونات بشكل كبير، ويشتكي بعض المستخدمين من أن تليفونات «أندرويد» مربكة في استخدامها. ولذا تقترض «غوغل» صفحة من جارتها في وادي السيلكون. وقال توماس إيزمان، الأستاذ بكلية الأعمال بهارفارد: «في سوق منتجات التقنية المتغير سريعا، توجد ميزة حقيقية في التحكم في الأجهزة والبرامج - وهذه عبقرية أبل».

ويقول خبراء في القطاع إن شركة «موتورولا موبيليتي» ستعرف «غوغل» المزيد عن المستهلكين - وكيف قد يكونون غريبي الأطوار ولهم مطالب كثيرة.

وفي نشاطها البحثي والإعلاني، تتعامل «غوغل» مع المستهلكين بتحفظ وعلى شبكة الإنترنت ومن خلال برنامج. يطرح مستخدمون في تساؤلات في خانة البحث، ويساهمون بمادة خام هامة تستفيد منها خوارزميات «غوغل» الذكية لإعطاء نتائج بحثية مفيدة بدرجة أكبر وإعلانات موجهة بدقة أعلى.

وتعد «غوغل» انتصارا لكفاءة كومبيوترية مؤتمتة. وفي الجزء الأكبر، تفيد هذه الصيغة الجميع - المواطنين الذين يبحثون عن معلومات وأصحاب الإعلانات الذين يلاحقون المستهلكين على شبكة الإنترنت وناشري الإنترنت الباحثين على دولارات الإعلانات. ويحقق ذلك أكبر فائدة لـ«غوغل»، التي تجمع أرباحا تبلغ 10 مليارات دولار في العام.

ولكن ربما يكون هذا المنحى آليا وفيه ضعف. وعندما تقرر شركة «غوغل» إبعاد ناشر إليكتروني صغير من خدمة الإعلانات التابعة لها، ترسل خطابا أعده برنامج كومبيوتر بالخبر السيئ. ويقول إن الموقع الإليكتروني «يحتمل أن يثير نشاطا غير مفيد». وربما يتساءل الناشر عن السبب. ولن تجد ذلك من «غوغل». والشيء الوحيد الممكن هو ملء استمارة. وحظ سعيد. لا يمكن أن تتحدث إلى خوارزميات.

وفي العام الماضي حاولت «غوغل» بيع تليفونها الذكي «نيكسس ون»، الذي صنعته «إتش تي سي» التايوانية من خلال متجر إليكتروني. وفشلت التجربة بعد أشهر قليلة، فعند شراء جهاز معقد، يرغب معظم المستهلكين في رؤية المنتج ولمسه ويرغبون في الحصول على مساعدة.

ومؤكد أن «أبل» تعرف ذلك، كما توضح أي زيارة لمتاجرها. وعندما يتعذر عليك فهم شيء، يمكنك تحديد موعد مع قسم الدعم الفني، وستجد موظفي «أبل» ذوي الخبرة والودودين يحلون في الأغلب مشكلتك. وإذا اشتريت الموصل الخاطئ أو أداة ما وتريد إعادته بعد أيام قليلة من انقضاء فترة إعادة المنتج المقدرة بـ14 يوما، لن تجد مشكلة في ذلك. إنها تجارة يحكمها الاستيعاب البشري.

لا يتوقع أحد أن تفتح شركة «غوغل» متاجر أو أن تغير من ثقافتها المؤسساتية بصورة جذرية. ولكن كي تثمر عملية شراء «موتورولا»، سيتعين على «غوغل» أن «تجيد مهارات جديدة من خدمة العملاء وتصميم المنتج الصناعي لمنتجات المستهلكين»، بحسب ما قاله إزنمان من كلية الأعمال بهارفارد. ويضيف: «سيكون تحديا لغوغل، ولكنه ليس مستحيلا بأي حال من الأحوال». وعلى كل تصف «غوغل» نفسها بأنها محرك تعليمي.

* صحافي تقنية المعلومات في «نيويورك تايمز»

* خدمة «نيويورك تايمز»