درس القذافي.. للإعلام أيضا!

TT

كان مشهد مذيعة التلفزيون الليبية - التي خرجت في يوم دخول الثوار طرابلس على شاشة التلفزيون التابع للقذافي حاملة مسدسا مهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور والقتال حماية للتلفزيون الرسمي – طريفا، وعجيبا في الوقت نفسه، ويطرح تساؤلات من نوع: هل كانت جادة في ما تقوله، أم تهذر؟ وهل التغييب وغسل المخ وصل إلى هذه الدرجة أم إنها كانت مضطرة للخروج في هذا المشهد تحت ضغط أو تهديد زبانية النظام؟

لقد جرفت التغييرات التي تشهدها المنطقة العربية ونهاية 3 زعماء حتى الآن ثارت عليهم شعوبهم في تونس ومصر وليبيا، بينما لا يزال اثنان في سوريا واليمن يتشبثان بالسلطة رغم نزف الدم، حقبة قمعية من التاريخ العربي الحديث، وفتحت الباب أمام طريق جديد ما زالت معالمه تتشكل. وكل الرسائل والإشارات التي خرجت من دول أو سياسيين أمس بعد التطورات الدرامية في طرابلس تحث الآخرين - مفهوم طبعا من المقصود - بأن يتعظوا ولا يعاندوا شعوبهم حتى لا يسقطوا في مصير القذافي نفسه الذي قد تكون نهايته مأساوية ولا يزال مكان وجوده حتى كتابة هذه السطور غامضا بينما اعتقل بعض أبنائه.

والمفترض أن تجرف هذه التغييرات أيضا نوعا من الإعلام والمثقفين كانوا أشبه بجوقة تروج إما انتفاعا أو جهلا منخدعة بنظريات وحكمة وبعد نظر هؤلاء الزعماء، وتسهم في تضليل وتغييب الرأي العام وابتداع نظريات يفوق بعضها الخيال عن المؤامرات التي تحاك ضد هؤلاء «القادة النوابغ» الذين «يستحقون شعوبا أفضل من ذلك».

لقد طبع هذا النوع من الزعماء - باختلاف ألوانهم وتوجهاتهم ودرجة شططهم - السياسات العربية لعقود قادوها من هزائم إلى هزائم بينما هم يرفعون شعارات ثورية نارية عن تحرير العالم ومقاومة الاستعمار والإمبريالية والتدخلات الأجنبية.. إلى آخره، بينما كان الأمر في حقيقته مجرد كلام فارغ المضمون يضحك عليه العالم، ويستخدمونه من أجل تبرير الحكم القمعي الذي كانوا يديرون به بلادهم، وكان كل منهم له أسلوبه ومذاقه الخاص، ومذاقه المميز، ولعل القذافي كان أبرزهم بعنترياته الكلامية الغريبة وألقابه من نوع «ملك ملوك أفريقيا».. إلى آخر القائمة.

وهم كانوا يحتاجون إلى نخبة صحافية وإعلامية وثقافية تروج لهم عند الرأي العام، وكان لهم ذلك.. فإذا أخذنا القذافي نموذجا؛ كانت هناك المؤتمرات واللقاءات التي تنظم على مدار عقود للحديث عن عبقرية النظرية الثالثة في الكتاب الأخضر، والنموذج الجماهيري في الحكم، وكانت المسألة أقرب إلى الاستنفاع أكثر من أي شيء آخر، لأنه لا يمكن لعاقل أن يصدق هذه النظريات، فضلا عن أن الحقائق على الأرض كانت واضحة.

القذافي لم يكن وحيدا في ذلك؛ بل العكس؛ قد يكون أقلهم، وهو مجرد حلقة في خيط إعلامي طويل مورس على مدار عقود ويعد أحد أسباب ما وصلنا إليه حاليا.. فصدام حسين كان له مريدوه في الإعلام؛ سواء عن استنفاع أو جهل، وكان الترويج له قويا للغاية، رغم أن أي تحليل أو تفكير منطقي لا بد أن يقود إلى خلاصة أن هذا الرجل يقود بلاده إلى الهاوية، كما أنه لا يوجد شيء يبرر هذه الدموية الشديدة في التعامل مع شعبه داخليا. والأمر نفسه يتكرر في سوريا حاليا، فشواهد الطريق الذي يسير فيه النظام واضحة إلى أين تقود، ومع ذلك، فإن الجوقة الإعلامية التي ابتكرت ظاهرة المحللين الذين نراهم نشطة في محاولة تعمية الحقيقة وتضليل الرأي العام، ويبدو أن البعض لا يريد أن يتعظ أو يتعلم الدرس!