بعد عقد على 11 سبتمبر.. «القاعدة» تتداعى لكنها لم تنته

TT

المسؤولون الحكوميون يشيرون إليه باسم «إس إس إي» أو «استقصاء المواقع الحساسة». هذا هو المصطلح غير المباشر الذي يشيرون به إلى مجموعة الأدلة الاستثنائية التي تم جلبها من مجمع أسامة بن لادن في الليلة التي قتل فيها زعيم تنظيم القاعدة.

ومع حلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011، من المحتمل استخدام هذه الأدلة في رسم صورة حية لتنظيم القاعدة، اعتمادا على المواد المضمنة بأكثر من 100 وحدة تخزين تابعة لأجهزة كومبيوتر، من بينها محركات أقراص فلاش وأقراص «دي في دي» وأقراص «سي دي» وأكثر من 12 جهاز كومبيوتر أو محرك أقراص صلبة، والتي جمعت بأكملها أثناء غارة 2 مايو (أيار) الماضي.

ويقول مسؤولون أميركيون إن ثلاثة موضوعات قوية تنبثق من قراءتهم للملفات، والتي تمثل معظمها في اتصالات بين بن لادن وأبرز معاونيه، عطية عبد الرحمن. وفي حقيقة الأمر، نظرا لأن عطية ليبي المولد (الذي كان معروفا لدى المحللين باسمه الأول)، كان هو عنصر اتصال زعيم تنظيم القاعدة الرئيسي بالعالم الخارجي، فإن المسؤولين ينظرون إليه باعتباره أكثر أهمية من خليفة بن لادن، أيمن الظواهري.

وفي ما يلي أبرز النقاط:

• كانت تحدو بن لادن قبل وفاته رغبة قوية في شن هجوم قوي على الولايات المتحدة، ربما كان من المزمع أن يتم تزامنا مع الذكرى العاشرة لأحداث 11-9، وكان هو وعطية عادة ما يتناقشان حول من يمكن أن ينفذ مثل هذا الهجوم، حيث كان عطية يقترح أسماء يرفضها بن لادن. كان بن لادن ما زال يبحث عن هجوم من شأنه أن يغير التاريخ، على أهداف كبيرة وتشكل أهمية من الناحية الاقتصادية.. هجوم من شأنه أن يتماشى مع - إن لم يتجاوز - تأثير هجمات 11-9. بالمقارنة، فضل الظواهري، استراتيجية نفعية تقوم على ضرب أهداف أصغر.

• كان بن لادن مسؤولا تنفيذيا لديه خبرة عملية، وصاحب دور في تخطيط العمليات واتخاذ القرارات الخاصة بفريقه، وليس القائد رفيع المستوى المنعزل الذي قد افترضه المحللون الأميركيون. كان الظواهري، الذي قد نظر إليه المحللون بوصفه قائد اليوم، شبه منعزل في حقيقة الأمر - ولا يزال كذلك - على الرغم من عشرات الاتصالات التي أجريت معه هذا العام. ويعاني الظواهري من انعدام الثقة بين أتباع تنظيم القاعدة في مصر، وبين عناصر التنظيم الآخرين، أمثال عطية.

• كان بن لادن يعاني بشدة من هجمات بطائرات من دون طيار على قاعدة لتنظيمه في مناطق قبلية بباكستان. وأطلق على هذا اسم «حرب الاستخبارات»، وقال إنه كان «السلاح الوحيد الذي يؤذينا». وشكا أفراد فريقه من أنهم لا يستطيعون التدريب في المناطق القبلية ولا يمكنهم التواصل أو السفر بسهولة، كما لا يستطيعون جذب متطوعين جدد إلى ما يمكن اعتباره منطقة حظر إطلاق نار. وناقش بن لادن نقل قاعدة تنظيمه إلى موقع آخر، لكنه لم يتخذ إجراء فعليا على الإطلاق.

لم يعثر المحللون في المواد التي تم جلبها من مجمع بن لادن السكني على أي دليل قاطع يشير إلى تواطؤ حكومة باكستان في التستر على بن لادن في أبوت آباد. ومن الواضح أنه كان لديه خوف مرضي من أن يتم العثور عليه وقتله: فقد أمر أتباعه بتقييد تحركاتهم للمساعدة في الحفاظ على ما تبقى من تنظيم القاعدة في باكستان. وكان خوفه من أن يتم العثور عليه موضوع نقاش متكرر بينه وبين عطية والظواهري وآخرين.

وخشي بن لادن أيضا من بدء تضاؤل مكانة تنظيم القاعدة بين المسلمين، ومن أن الغرب قد نجح - على الأقل جزئيا - في إبعاد رسالة تنظيم القاعدة عن القيم الإسلامية الأساسية. ومدفوعا بخوفه من تآكل هذه «القاعدة»، تشاور بن لادن مع أتباع له في شمال أفريقيا واليمن لوقف جهودهم الرامية إلى تشكيل ولاية إسلامية محلية متطرفة تؤيد توجيه هجمات إلى الولايات المتحدة والإضرار بمصالحها.

وكان هذا الخوف - من أن تكون المنهجيات المتطرفة لتنظيم القاعدة قد باتت أكثر عنفا وأصبحت تعزل المسلمين - أحد الموضوعات التي تم تناولها في رسالة مميزة أرسلها عطية في عام 2005 إلى أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة المتوحش في العراق. وفي هذا الخطاب، الذي كشفته الولايات المتحدة قبل خمس سنوات، حذر عطية من أن إثارة العنف بين السنة والشيعة (العلامة المميزة لأسلوب الزرقاوي) يحتمل أن تلحق دمارا هائلا.

تنظيم القاعدة الذي نشأ من هذه الوثائق هو عبارة عن جماعة تتعرض لانتقادات لاذعة ومنحرفة عن المسار الصحيح.

ويجسد مقتل إلياس كشميري في 3 يونيو (حزيران) في هجوم شن بطائرة من دون طيار الضعف المستمر للتنظيم. كان كشميري عنصرا لا يعرف الرحمة من عناصر تنظيم القاعدة، والذي خطط لهجمات مومباي 2008 التي راح ضحيتها 166 شخصا، وكان يحيك خططا لشن هجمات مميتة على أوروبا الشتاء الماضي، توقفت فقط بسبب أعمال مكافحة الإرهاب الشرسة (قبض الأجهزة الأمنية في أوروبا وتركيا على نحو 20 من معاوني كشميري قبل تنفيذهم تلك الهجمات).

وفي تلخيص كبار المسؤولين الأميركيين رؤيتهم لتنظيم القاعدة الآن، مع اقتراب ذكرى أحداث 11-9، يصفونه بأنه تنظيم يتداعى لكنه لم يختف بعد. وهم لا يعلمون بأي مؤامرات بعينها تستهدف الولايات المتحدة خلال 10 سنوات من الآن. لكنهم يبحثون مستخدمين كل السبل ومدركين أن ما لا نزال نجهله عن تنظيم القاعدة هو الأكثر خطورة.

* خدمة «واشنطن بوست»