فقط أن نعمل!

TT

في أحد مهرجانات الأغنية الأميركية وقفت فتاة سمراء، بمصاحبة عدد من الذين يدقون الطبول وينفخون الناي والراقصين، تردد في هدوء وهي لم تدرك بالضبط ماذا حدث لعدد من علماء النفس كانوا يستمعون إلى المهرجان في بيوتهم.

تقول الأغنية الهادئة جميلة الموسيقى، ساحرة الناي: وما حاجتي إلى بيت؟ لقد ولدت في المستشفى وكنت داخلية في المدرسة والجامعة.. واتفقنا على الزواج في الأوتوبيس وتزوجنا في الكنيسة.. وعملت في المصنع.. وفي الصباح ألعب التنس وفي الليل أذهب إلى السينما وعندما أموت سوف أجد مكانا تحت الأرض.. فما حاجتي إلى البيت؟ إنني في حاجة إلى جراج!

أما المطربة فكانت هادئة الصوت جميلة العينين وقد صفق لها الكثيرون.. ولكن عددا من علماء النفس قالوا معا: وجدتها!

فقد وجدوا المنشور الموسيقي.. فهذه الأغنية تعلن أن المرأة العاملة لم يعد يهمها البيت.. فقط أن تعمل.. وأن تكون خارج البيت.. في المصنع.. في الملعب.. في النادي.. في سيارتها.. فوداعا أيها البيت والأولاد والزوج.. لقد طال سجن المرأة في البيت آلاف السنين.. وطال ربطها بشغل البيت والطهو ورضاعة وتربية الأطفال وانتظار الزوج وراء الباب والشباك.. انتهى ذلك كله!

وفي الوقت نفسه ضاق كل شاب أيضا بالقيود والقوالب التي يضعها الآباء والمجتمع وطاعة الوالدين واحترام العادات والتقاليد ولوائح المؤسسات وقوانين التجنيد الإجباري والذهاب في طائرة أو سفينة أو غواصة لقتل أناس لا يعرفهم.. ولا يعرف لماذا يقتلهم.. وعلى مدى آلاف الأميال في بلادهم.. في بيوتهم.. في غاباتهم.. بين أطفالهم.

وكان عدد من أساتذة الجامعات الأميركية قد دعوا الشباب إلى «الغياب» عن حضور المحاضرات.. الغياب عن البيت.. عن المصنع.. عن طابور الصباح.

ثم ظهرت الفتاة في برنامج تلفزيوني تغني:

لا البيت ولا المصنع.. لا البيت ولا السوق.. لا البيت ولا المكتبة.. لا البيت ولا الزوج ولا الأولاد.. لا البيت وتأوهات خادمتي وصرخات قطتي.. وجوع عصفوري وصور ذكرياتي.. ولا الشارع الذي يمكنني من الهرب من العسكرية والصلاة والعزاء والزفاف.

ومعنى الأغنية: أنه لا شيء يمسكها عن الخروج من البيت.. عن التقاليد.. عن سجن النساء.. فقد قررت ألا تكون عبدا لأحد.. أيا ما كان هذا الواحد.. وهي لم تشأ أن تذكر والدها وأمها وأخواتها.. فهي لا ترى إلا خروجها وإلا حريتها!