نظام التصفيات الأخيرة!

TT

في ظل الدك الإجرامي الذي يقوم به الجيش السوري بحق شعبه في المدن السورية المختلفة، وخصوصا في مدينة حمص التي تحولت إلى رمز للثورة السورية، واحتلت الدبابات معظم التقاطعات الرئيسية في داخل المدينة وخارجها، فإن أهل حمص أو كما يعرفون بـ«الحماصنة» مشهورون بروح النكتة. وتقول نكتة وصلت «للتو» إن سيدة تمر كل صباح ومساء أمام الدبابة الواقفة في الشارع الملاصق لمنزلها فترفع يدها بتحية للعسكري الواقف بقرب الدبابة، وتقول له: «شالوم»، وفي اليوم الرابع صاح فيها العسكري «ما بك يا خالة كل يوم تقولين لي شالوم؟»، فرفعت السيدة حاجبيها مندهشة، وضربت بكفها على صدرها، وقالت له: «وكمان بتحكي عربي؟ والله يا ابني ظننتكم الجيش الإسرائيلي جايين تحتلونا».

النكتة تحكي موقف السوري من جيشه، وهو الذي كان يحمل له مكانة ولو رمزية، إلا أنه ومنذ أن تولى نظام الأسد الحكم وهو يدير آلته القمعية بشتى الطرق تجاه شعبه، والآن تظهر بشكلها الأكثر وحشية ودموية ولا تستثني أحدا أو مدينة، فهو الآن يجده خنجرا مسموما في خاصرته.

الكل يبتعد عن هذا النظام الدموي، إيران وحلفاؤها في العراق ولبنان يواصلون الدعم المحموم، ولكنهم لا يجرؤون على التصريح بدعم النظام علنا وسط الجنون الذي يقوم به من قتل وقمع حتى أن الرئيس الإيراني اضطر إلى تحذير الرئيس الأسد عبر قناة «المنار» التابعة لحزب الله اللبناني، وجنوب أفريقيا وهي دولة لها مع «حقوق الإنسان» علاقة أكثر من خاصة، لم تعد قادرة على الاستمرار في الدفاع عن نظام الأسد، وستتبعها حتما الهند لإيمانها بنفس الخط السياسي. بل إن النائب البريطاني جورج غالاوي الذي كان دوما يتبنى الدفاع عن القضايا العربية والنظام السوري تخلى عنه واتهم النظام بأنه هو الذي يظهر أكثر فأكثر كإرهابي وليس الثوار.

وها هو الأردن يدعم مؤتمرا لشباب الثورة السورية في عمان، وتونس تحضر لاستضافة مؤتمر آخر بشكل موسع، وجامعة الدول العربية تستعد لعقد جلسة استثنائية لبحث الشأن السوري وتجاوزات النظام بحق شعبه، والأمم المتحدة تستعد لإصدار قرار مهم جدا، ولكن الجيش السوري يتغير على أرض الواقع؛ أفراده يستشعرون قرب الرحيل، فالانشقاقات تتزايد بشكل رهيب ويرونها بأم العين ويواجهون المنشقين من زملائهم وهم يحرسون الأهالي ويدافعون عنهم، وشاهدوا سقوط القذافي وخروجه المذل دون أن يكون له من مؤيد إلا مرتزقة، فالجنود بدأوا يدركون أن الدور قادم عليهم، فزادت عمليات المداهمات على المنازل والمحال وإلقاء القبض بشكل عشوائي، وطبعا سرعان ما تبين السبب، الجنود قاموا باختراع مصدر دخل لهم فهم يخلون سبيل الشاب بـ250 ألف ليرة وللرجل 200 ألف ليرة وللمرأة 150 ألف ليرة وللطفل 100 ألف ليرة، كل ذلك يتم قبل الوصول لمركز الشرطة (المخفر)، أما إذا ما وصل إلى داخل القسم فهناك تسعيرة أخرى! حتى الصور التي يتم إطلاقها للجنود وهم يقصفون المنازل أو يعذبون أو يهينون المعتقلين فهي يجري بيعها لوكالات الأنباء أو للناشطين أو للتنسيقيات الثورية على شبكة الإنترنت ولكل «نوعية» من اللقطات سعرها. فلقطات التعذيب تبلغ 25 ألف ليرة، والقصف 30 ألف ليرة، والموتى 35 ألف ليرة.

يوم الثلاثاء الماضي وفي الشارع المقابل لجامع عمر بمدينة حمص، دفع شقيق أحد المقبوض عليهم مبلغ 250 ألف ليرة لإخراجه من سيارة الأمن، وسأل الضابط «لماذا تفعلون ذلك؟» فقال له: «إذا راح ودع ما بدي ودع فقير». وفي حماه بدوار حلب في اليوم الذي تلاه (الأربعاء) كان شاب وابنه يخرجان أباهما من سيارة شرطة أخرى وقال الضابط للعجوز «لا أريد أن أراك ثانية»، وكان يقولها وهو يعد المائتي ألف ليرة التي قبضها، فعلق العجوز بدهشة «لماذا يا ابني؟»، فصاح الرجل المعلم وأخوه «عم يدمروا البلد أنا ما راح أروح بلا ثمن». وفي درعا وفي ضواحيها وتحديدا حيث مزارع البندورة السورية المشهورة، يتقاسم رجال الجيش والأمن المحصول ويحصلون أكثر من 60 في المائة من قيمته مقابل تحرير البضاعة للحدود الأردنية ويسمحون كذلك بدخول تريلات المعونة الطبية والمواد الغذائية مقابل مبالغ من المال متفق عليها.

هذا هو الجيش الذي يدافع عن نظام الأسد، هو جيش يدرك أن المنشقين في ازدياد والضغط الشعبي في ازدياد والغضب العالمي في ازدياد، ويعلم تماما أن ساعة الصفر للرجل قد أزفت، والمعنويات في انخفاض شديد، والروح القتالية أنهكت، لأن كل ما قاموا به إلى الآن لم يؤت ثماره. إن محل النظام الأمني يعلن عن تصفياته النهائية، والجنود يرغبون في جني الغنائم بأي طريقة قبل توديع المعلم. إنه أوكازيون الشبيحة وموسم التصفيات. [email protected]